5 دقائق

أبغض الحلال.. معضلة المجتمع

سعيد المقبالي

تتفق المجتمعات، بسائر أديانها، على أهمية الرابط اﻷسري، إلا أنها تفاوتت في قدرتها على حماية هذا الرابط، بحسب ما توارثته من أعراف، وما شرعته من قوانين، وبقي الطلاق هو المعضلة الكبرى للكيان اﻷسري في كل مجتمع.

هو «أبغض الحلال» في مجتمعنا وديننا الإسلامي، إلا أنه وللأسف تحول أيضاً إلى معضلة بل آفة مجتمعية ذات مضاعفات خطيرة، على الرغم من التشريعات التي قننته، وحاصرت آثاره.

لكي يستمر عش الزوجية قوياً وجاهزاً لتربية اﻷبناء، فإن على كلا الزوجين أن يُبقي على الشخصية الصحيحة لكليهما، فاستغناء أحدهما عن دوره بالكامل، وتركه للآخر ليتقمصه يراكم الضغائن، وينقل آثارها إلى الأبناء.

إننا لا نعاني قصوراً في التشريع، ولا ثغرات في القوانين، بل إن ما يجعل الطلاق آفة في مجتمعنا هو الجهل الاجتماعي، وما يخلفه من أخطاء منذ الاختيار، إلى سوء الفهم والخلافات التافهة التي تتفاقم، لتطيح العش الزوجي، ولا يتوقف تأثير الجهل الاجتماعي هنا بل يستمر ليعصف بحياة اﻷبناء، فيدفعهم إلى جرف حافته نار الأبوين المنفصلين، وقعره مستنقعات الضياع وشرور لا حصر لها.

الزواج أسمى الروابط الإنسانية في الكون، لذلك يحتاج المُقْدم عليه إلى التفكير والتدقيق والمشورة والاستخارة، قبل المضي فيه ولابد للاختيار أن يراعي نقاطاً أساسية، بدأ البعض للأسف يتغاضى عنها، وهي الدين والخلق، فليس منطقياً أن أغض الطرف عن هاتين الركيزتين عند الاختيار قبل الزواج، ثم أطالب بهما بعد الزواج، فهما أمران لا يتم تعلمهما، بل يُغرسان غرساً في روح اﻹنسان.

كما أن التكافؤ الاجتماعي والفكري أصبح مطلباً ملحاً ضمن أسس حسن الاختيار، فالعادات والتقاليد الاجتماعية إذا اختلفت فكثيراً ما تسبب الخلافات، خصوصاً إذا صاحبها قصور فكري من أحد الطرفين، ولنفترض أن زواجاً قد قام بين بدوي وحضرية، وعلى الزوجة أن تراعي عادات زوجها البدوي، فإن لم يكن فكرها يستوعب أهمية تلك العادات، ولم تستطع فهم إخلاص زوجها لعاداته، واعتبرتها عبئاً، فإنها وبلا شك ستتأفف وستختلق المشكلات، وكذلك الزوج، لذا لابدّ أن يكون هناك تكافؤ اجتماعي، أو أن يكون الوعي الفكري بديلاً عنه لتجسير كل فجوة.

وإن كان الوعي الفكري أساساً للتوازن، فإنه كذلك لابدّ أن تتم تغذيته بالثقافة الخاصة بالعلاقة الزوجية بكل تفاصيلها، فذلك ليس عيباً أو حراماً، بالإضافة للثقافة الشرعية والقانونية في ما يخص أمور الزواج وحقوق الزوجين أحدهما على الآخر، فالجهل بهذه الأمور أو عدم الدراية الكافية حول كيفية التعامل مع مشكلاتها، تجر الزوجين إلى خلافات طاحنة ﻷسباب تافهة.

ولكي يستمر عش الزوجية قوياً وجاهزاً لتربية اﻷبناء، فإن على كلا الزوجين أن يُبقي على الشخصية الصحيحة لكليهما، فاستغناء أحدهما عن دوره بالكامل، وتركه للآخر ليتقمصه يراكم الضغائن، وينقل آثارها إلى الأبناء، فعلى الرجل أن يمارس دوره كرب للأسرة، فلا يلقي به بالكامل على الزوجة، وعليه ألا يكون ذا شخصية ضعيفة، أو شخصية متسلطة مع زوجته، فوسطية شخصية الرجل أهم وصفة للاستقرار الأسري، ولاحتواء اﻷزمات الزوجية.

الزوجة هي الركن اﻷساسي للحياة الأسرية، وهي ركن لين من السهل تشكيله إذا وجد الاهتمام، لكن من الصعب تقويمه إذا كان مصيره الإهمال، لذلك أوصى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بصون المرأة، فقال: «استوصوا بالنساء خيراً»، وكذلك: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله».

وكما كانت مكانة المرأة عظيمة في الإسلام، وحث الرجال على صونها، فكذلك أوصى الإسلام المرأة بزوجها وأمنها عليه، فإن قيامها بدورها الطبيعي، وحفاظها على حقوق زوجها واحترامه وتفهم وضعه وظروفه الاجتماعية والمادية وعدم تحميله ما لا طاقة له به، عناصر مهمة لتجنيب حياتهما الخلافات وويلات الطلاق.

وأخيراً..

فلنعقل ما ننوي فعله، سواء في قرار الزواج أو في فكرة الطلاق، لنتفادى سوء الاختيار أو أبغض الحلال.

saeed@uae.net

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر