مزاح.. ورماح

«بافضحك..!»

عبدالله الشويخ

«راس براس».. هي لعبة شعبية يمارسها الشباب اللطفاء في الإمارات، من أبناء الطبقة المتوسطة وانت نازل.. تبدأ اللعبة بوجود خلاف معين بين اللاعبين.. يتم الاتفاق على مكان معين للبدء في ممارسة اللعبة، حيث يُحضر كلا اللاعبين مجموعة لطيفة أخرى من الأصدقاء الذين يعتبرون أنفسهم «خدمات مساندة»، يمكنك التأكد من مدى حسهم المرهف بواسطة الوسوم الموجودة على وجوههم، والتي تبين أنها نتيجة ضربة «موس» أو فلعة باستخدام أداة حادة.. تبدأ النظرات ثم يصيح أحد القوم بجملة «راس براس»، بمعنى أن الاشتباك يتم بين فارسي الرهان فقط.. تماماً كما كان الأجداد يفعلون في الجاهلية بالمبارزة قبل المعركة.. وفي تلك اللحظات الحاسمة، التي لا تسمع فيها إلا نعيق غراب أعور على شجرة سدر عقيمة.. كانت قواعد اللعبة تقتضي أن يهدد كل طرف الآخر.. بعبارات نحو: باذبحك.. باجتلك.. باسببلك إعاقة دائمة.. بامصخرك.. والكثير من الـ«با» والـ«با» حتى لتعتقد أنك في جرد قبلي في إحدى مناطق حضرموت!

كانت أياماً جميلة حقاً.. صحيح أن اللعبة تنتهي بعدة إعاقات وجروح في الكرامة، وعدة «إشوز» نفسية مازلنا نعاني آثارها حتى اليوم، إلا أن المجتمع كانت لديه خطوطه الحمراء، التي يفهمها الجميع دون ذكرها أصلاً.. فلا تجاوز على الأعراض ولا على المقدسات.. أسترجع تلك الأيام، وأنا أسمع الكلمة الأكثر تبادلاً بين الخصوم، المختلفين في الرأي في هذه الأيام، والتي لا تزيد على كلمة واحدة: بافضحك!!

الكل يحاول أن يجمع أكبر كمّ من المعلومات عن الكل.. الفكرة هي استخدام تلك المعلومات للإيذاء في ما بعد.. حب «فضح» الآخر أصبح هوساً لا يستطيع أحد أن يمنع نفسه منه!

قبل أيام نشرت وسائل الإعلام خبراً كلاسيكياً عن إنهاء خدمات موظف ما.. هل هي المرة الأولى؟ بالطبع لا..! هل هي المرة الأخيرة؟ بالطبع أيضاً لا..!! إلا أن المجتمع المتعطش لم يترك الأمر يمر ولم يفوت الفرصة! الهواتف المتحركة ضجت بطريقة قذرة بآلاف التفسيرات التي تصب كلها ضد سمعة الرجل، وتتجاوزها إلى خصوصياته وأمور أخرى، تجعل كل شخص فينا نفسه شاهداً وقاضياً ومحققاً دون أن يطلب منه أحد ذلك!!

خبر تفنيش الموظف وصلني كما وصلك أكثر من ألف مرة، متجاوزاً كل الأرقام التي كانت تتمحور حول عاصفة الحزم، وتطورات السياسة، وبالطبع.. تخبيصات شركات الاتصالات.. الموضوع أهم لأن فيه «قرض»..

الأخلاق المجتمعية تسير إلى الهاوية.. ولكن أحداً لا يريد الاعتراف بهذا.. لأنه ليس كوول!! .. من أين نبدأ التصحيح؟! بالطبع الأمر يحتاج إلى يد حديدية وعقوبات، لمن أدخل أخلاقيات التعدي على سمعة الآخرين، دون خوف من القانون.. وهم معروفون!.. ويد حديدية أخرى لضرب الذين يتسلون بتسريب الأخبار والمعلومات المؤتمنين عليها من جهات عملهم.. وبعد ذلك قد تتغير بوصلة المجتمع، وقد يفهم معنى تطبيق: «من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة».. حباً لا خوفاً!

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر