5 دقائق

تعزيز السِّلم

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

عقد منتدى تعزيز السِّلم دورته الثانية في العاصمة أبوظبي؛ لينشر ثقافة رسالة الإسلام في السِّلم والأمان، وليعيد لمن فقد السلم والمسالمة الأمل، ويشعرهم أن علماء الإسلام يعيشون همومهم، ويعملون جاهدين على تصحيح المفاهيم المغلوطة في منهجية الإسلام التي جعلت من الإسلام « فوبيا» يرهب ولا يرغب، وينفر ولا يبشر، جعلت الإسلام الذي نادى بأعلى صوته:{ادخلوا في السلم كافة} مفهوماً على غير حقيقته هذه، بسبب فقد السلم في المجتمعات المسلمة فضلاً عن غيرها، ويحمل وزر ذلك أولئك المنفرون الذين خالفوا هدي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، القائل «إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين»، وكان إذا بعث أحداً من أصحابه في بعض أمره وصاه بقوله: «بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا»، وهو هدي مشهور، إلا أن واقعه لدى المنفرين مهجور.

«لقد تلاطمت الفتن في الأوطان فأغرقتها، وكان بالإمكان تلافيها بالمناهج الصحيحة».

السِّلم مطلب إسلامي قبل أن يكون مطلباً إنسانياً، فيجب السعي لتعزيزه وتثبيته بين البشر من كل إنسان، مسلماً كان أو غير مسلم، حتى يشترك الناس في التعايش والتعارف الذي هو من غايات خلق البشرية لربها، بعد معرفته وعبادته سبحانه، فمن لم يسعَ إليه لم يكن مكترثاً بالإسلام منهجاً ودعوة، ويكون قد أساء ولم يحسن، والواجب أن لا يستمر ذلك بين الناس، بل لابد أن يقوم أولو الأمر من الحكام والعلماء بواجبهم نحو أمتهم بتوضيح رسالة الإسلام ومنهجه للناس حتى يعرفوا واجبهم ويطبقوه، ليكون ذلك معذرة لهم عند ربهم، وسبباً لنجاة الأفراد والمجتمعات من عذاب بئيس في الدنيا والآخرة.

وهو ما يحصل في هذا المنتدى الذي تداعى إليه العلماء والدعاة والمصلحون أداء لواجبهم، ونصحاً لله ورسوله والمؤمنين، وقد ناقش المفاهيم المغلوطة للتكفير والجهاد والولاء والبراء وغير ذلك، وهي أسس الانحراف الفكري الذي يكون سبباً لفقد السلم في المجتمعات، وهذه الأمور وإن كانت أموراً بدهية عند العلماء إلا أنها غابت عن أولئك المفتونين بسبب عدم إشاعتها، فاستبدلوها بالمفاهيم غير الصحيحة استبدالاً للذي هو أدنى بالذي هو خير، استبدلوها بذلك حتى تمكن من أنفسهم فأصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً، فتغيير ذلك يقتضي جهوداً جبارة لإعادة المفاهيم الصحيحة، وهو ما يستعد له هذا المنتدى المبارك إن شاء الله تعالى.

لقد تلاطمت الفتن في الأوطان فأغرقتها، وكان بالإمكان تلافيها بالمناهج الصحيحة، والأفكار السليمة، والعدالة الاجتماعية، مما يجعل إنقاذ السفن الغارقة أمراً شاقاً لكنه غير مستحيل إن وجدت الإرادة الصلبة والكفاءة الكافية، والتوفيق غالباً ما يصاحب النوايا الصادقة.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر