5 دقائق

حبات اللؤلؤ

خالد الكمدة

نتحدث بجدية وباهتمام عن أهمية العود الحسن للعادات والتقاليد، بعد أن جربنا كل ما هو حديث وكل ما هو متطور إلى درجة الغلو، وتعبنا في مجاراة ما هو دارج بل وفي التسابق والتنافس لتبني الأجمل والأفضل، حتى نسينا أو نُسينا الجوهر، وتحولت في حياتنا الكماليات إلى أساسيات، وزاغت مؤشراتنا عن الأهداف. ومع علمنا بأن تجديد العهد مع كل ما ألفناه من تقاليد، سيضمن لنا قدراً أكبر من السعادة، يبقى منا من يساجل في أهمية السير إلى الأمام، مجاراة طروحات الحداثة، واستلهام السعادة من معطياتها.

«لماذا لا نُحدِثُ ونحن شعب ينعم بالرخاء تغييراً نوعياً في طريقة تعاملنا مع السعادة؟».

بشكل ممنهج، تحولنا إلى مجتمعات استهلاكية بحتة، نبتكر في كل شيء استهلاكي، نبتكر في التجميل والتزيين والبذخ وفي جميع أساليب الإنفاق، بحثاً عن السعادة، غير مدركين أن أثمن الأشياء في العالم لا يشترى بالمال. يبرع خيال الفتيات في اختراع نموذج مبهر لحفلات زفافهن المنتظرة، يبحثن في جميع التفاصيل، في كل الألوان والألحان، ويجدن الأيدي ممدودة لدعمهن بالأفكار من مختصين وخبراء في الإنفاق يحملون بطاقات بصفة «مصمم حفلات»، تصبح كل الأشياء الملموسة مهمة وضرورية، كأهمية العريس أحياناً وأهم منه غالباً. يفكرن، يخططن ويبتكرن، من أجل سعادة آنية، تنتهي بانتهاء حفل، وقد لا يبقى منها الكثير.

لماذا لا نُحدِثُ ونحن شعب ينعم بالرخاء تغييراً نوعياً في طريقة تعاملنا مع السعادة؟ لماذا لا نمنح الأشياء حجمها الحقيقي باعتبارها أدوات لإسعادنا بعد أن أصبحت هدفاً؟ لماذا لا نرفض ربط فرحنا بإنجازات مادية وتفاصيل ظاهرية لا يبقى منها إذا ذهبت غير الفواتير؟ لماذا لا نفكر ونحن من عانق مياه الخليج وسبر أغواره بغوص عصري إلى أعماق السعادة، بزهد محبب في الكماليات وترك مقصود لما يحولنا لكائنات استهلاكية؟

قبل أعوام ابتكر أهل الريادة والحكمة فينا إقامة استقبالات نهارية للرجال لتهنئة العريس، ودرجنا على هذه العادة الحميدة، فصارت إلى جانب الزواج الجماعي مشجعاً لكثير من الشباب على إنهاء العزوبية، وبقيت الكفة الأخرى مثقلة بتكاليف حفلات النساء، فلماذا لا نُعمل خيالنا في ابتكار حلول راقية وجدية، تعلي من قيمة الفرح الحقيقي، وتثمن من أهمية الرابط المقدس، وتترك طوعاً تكاليف لا معنى لها؟

لماذا لا نناقش بجدية إمكانية الاحتفال بمجموعات من العرائس يتألقن معاً كحبات اللؤلؤ في عقد، يفرحن معاً، ويتمايلن معاً كفراشات بحقل أخضر، يعانقن الحياة بمعانيها الحقيقية، يقبلن على مرحلتها التالية بخطوات واثقة، يكسرن بشجاعة أعرافاً لا ترتبط بالثقافة ولا بالدين ولا تبقي لهن غير ألبوم صور والكثير الكثير من التعليقات؟

KhaledAlKamda@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر