5 دقائق

إدارة المال والأعمال في السنّة المطهرة

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

من العلوم الحديثة التي تعنى بها جامعات وكليات متخصصة؛ إدارة المال والأعمال، وتبذل الجهود الجبارة لنيلها، وتشيَّد بها اقتصاديات الدول والأفراد، ويتنافس فيها أفواج الدارسين في المراحل الجامعية والعليا، وهو أمر محمود لعِظَم نفع هذه المعارف.

«الأعمال مؤصلة في الوحيين بالعلم والنصح والصدق وبالإتقان أداء».

والواقع أن هذه العلوم هي من أهم العلوم الإسلامية التي دلت عليها أدلة الكتاب والسنة في نصوص كثيرة لا تخفى على القارئ، قلَّ من يتفطن لها ويَبني عليها تفصيلات هذه العلوم ودقائقها وتحليلاتها؛ فأدلة الكتاب والسنة تحدثت عن المال من حيث كسبه وإنفاقه، فضبطت كسبه من وجوه المكاسب المختلفة ورشدت إنفاقه بين الواجب والمندوب والمباح، وحرمت كسبه من غير ذلك؛ لما فيه من الظلم والتعدي على الآخرين. والأعمال مؤصلة في الوحيين بالعلم والنصح والصدق وبالإتقان أداء، فنبي الله يوسف، عليه السلام، وضع قواعد إدارة المال، وهي حفظه بإتقان، وصرفه بعلم، والتخطيط المحكم للمخاطر، وموسى، عليه السلام، وضع قاعدة العمل، وهي القوة والأمانة، فهذا واقع العمل.

أما واقع التشريع فالأدلة متواترة كتاباً وسنة في أحكام المال وسير الأعمال، من الأمر بالسعي والكسب وتحري الطيب وإنفاقه في وجوهه المشروعة وإخراج واجباته الشرعية والاجتماعية، وكذلكم الأعمال من حيث الإتقان والنصح والصدق والأخذ بقدر المستطاع.. إلى غير ذلك مما لا يخفى على المثقفين، فضلاً عن المتخصصين، ومع كل ذلك فلا نجد تأصيلاً لهذين العلمين في المؤسسات التعليمية، ظناً من واضعي المناهج أن هذا علم معاصر ورد إلينا. وقد سررت كثيراً بالندوة التي أقامتها كلية الدراسات الإسلامية والعربية بعنوان «إدارة المال والأعمال في السنة النبوية»، فجاءت ندوة حافلة بأبحاثها ونقاشاتها وتوصياتها؛ تأصيلاً لهذين العلمين في سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولو أنها وسعت ذلك إلى الكتاب العزيز لكان البحث أكثر والطرح أوفر، وقد كان هذا من توفيق الله تعالى للكلية وأمانة الندوة، حيث أظهرت هذا العلم بأصوله الإسلامية كما كان يفعله السلف كأبي عبيد القاسم بن سلام (ت 224هـ) مؤلف كتاب الأموال، وابن زنْجُويه (ت 251هـ) مؤلف كتاب الأموال أيضاً، ومحمد بن الحسن الشيباني (ت 189هـ) مؤلف كتاب الكسب، ومحمد بن عبدالرحمن بن عمر الوصابي الحبيشي (ت 782هـ) مؤلف كتاب البركة في فضل السعي والحركة، بينوا ذلك من الكتاب والسنة وآثار السلف وفعل الخلف، فضلاً عما احتوته المراجع العامة والخاصة من كتب السنن والفقه والتفسير وغيرها، بحيث لا يوجد نقص في التشريع مالياً ولا إدارياً، لمن أراد أن يؤصل لذلك ويستقي من مصادر الشريعة العذبة.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر