5 دقائق

وماتَ أهلُ فاطمة!

د.سعيد المظلوم

«يجب ألاّ ننتظر الظروف المناسبة، بل علينا أن نكون مناسبين لجميع الظروف». د. حمد الحمادي

ولدت فاطمة لعائلة فاضلة، من أب وأم وتسعة من الأبناء، وعاشت حياتها اليومية بكل براءة وسعادة، لكنّ هذه الحياة تغيّرت تماماً في صيف عام 1992 عندما علم الوالد بأن جاره ينوي السفر إلى مصر براً. رجع والد فاطمة إلى البيت طارحاً الفكرة على أفراد أسرته، قائلاً: لماذا لا نرافقهم؟ استحسن الجميع فكرة السفر، ولكن إلى دولة أخرى (سورية).

«رجعت إلى بلدي وكنت أرى الأسى في عيون كل من يقابلني، وأعظم الأسى كان في قلبي».

عاد الوالد إلى صديقه، فاتّفقا على الترافق بالسفر حتى نقطة معينة من الرحلة ليفترقا عندها، كلٌّ إلى وجهته، صديقه إلى مصر وهو إلى سورية. كانت فاطمة تبلغ حينها 12 عاماً، تقول: كانت رحلة جميلة جداً، استمتعنا فيها صغاراً وكباراً، زرنا خلالها درعا وحلب ودمشق وحماة. وذات ليلة من ليالي الأربعاء سهرنا عند صديق لوالدي ـ هناك ـ حتى قاربت عقارب الساعة لتشير إلى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، فأرادت والدتي البقاء والنوم حتى الصباح، لكن والدي آثَرَ العودة إلى مقر إقامتنا.

تذكر فاطمة ذلك الحوار بين والديها جيداً، وكأنه يحدث أمامها الآن، حين كان آخر رد لوالدها: «قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ».

وفي طريق العودة تعرضنا لحادث أليم؛ غفا السائقُ فهوت مركبتنا من سفح جبل، ولم أجد نفسي إلا بالجبائر البيضاء في «المستشفى الوطني» بحماة، سألتُ، أين أهلي؟ فكان الجواب: هم بخير وعافية. بعدها بأيام اكتشفت أنني فقدت والدي ووالدتي وخمسة من إخوتي، ويا لها من فاجعة!

رجعت إلى بلدي وكنت أرى الأسى في عيون كل من يقابلني، أهلي، جيراننا، في مدرستي، وأعظم الأسى كان في قلبي، لكن هل انتهت الحياة بالنسبة لي؟ لا وألف لا، رجعت إلى مدرستي وتخرجت في الثانوية وتزوجت، والآن ـ ولله الحمد ـ لديّ زوج غالٍ وخمسة من الأبناء أرى فيهم جمال الحياة. أما أكبر سعادة لي فإنني أفتخر بتربية أختي الصغيرة حتى تخرّجها في الجامعة بامتياز، وقد أصبح لديها أسرتها الجميلة أيضاً ولله الحمد.

سألتُ فاطمة: ما حلمُك اليوم؟ قالتْ: استكمالُ دراستي الجامعية في تخصص القانون الذي أعشقه، فقلتُ لها: أرجو الله أن يحقق حلمَك وأن يكون العام الأكاديمي المقبل هو عامك الأول في دراسة القانون. وبالمناسبة، أرجو من كل قارئ لمقالي هذا أن يدعمها، ولو بكلمة إيجابية، فما أجمل أن تكونَ سبباً في تحقيق أحلام الآخرين، وفّقك الله يا فاطمة.

madhloom@hotmail.com

Saeed_AlSuwaidi@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر