5 دقائق

لا تبحث عن النظارة وهي فوق عينيك!

سعيد المقبالي

لن أتحدث في هذا الموضوع بناءً على النظريات، فنحن ولله الحمد شعب دولة تفوقت على النظريات بالممارسات التي أنتجتها نهضتنا المبنية على قيمنا، واﻷسس الدينية والاجتماعية التي تربينا عليها، فمن الجانب الديني كان للإيمان دور عظيم في سعادتنا، وكان للقيم الاجتماعية المكملة للدين دور آخر في ترسيخ ممارساتنا اليومية المبهجة، ولكننا نحتاج إلى تذكير أبنائنا بوصفة السعادة كي لا تقع اﻷجيال المتعاقبة فريسة للتعاسة التي تتولد نتيجة التجرد من اﻹيمان والقيم!

إذا أدركنا وآمنا بأن الدنيا محطة قصيرة، لن ننزعج كثيراً من اﻷحداث السيئة، ولن نلتفت لها لنبقى أسرى الحزن، ولن نفوت فرص السرور والبهجة والاحتفاء بكل نعمة مهما كانت قليلة أو كثيرة.

إحساسك بحلاوة اﻷمانة، حتى ولو لم تنل مردوداً مما أنجزته، سيكون وقعه أكثر إيجابية وسعادة على نفسك من ذلك الذي لم يخلص في عمله ونال فوق ما يستحقه.

والاحتفاء بنعم الله علينا بشكره، سبحانه وتعالى، وبحمده، وبإقامة الصلاة، فتلك هي الطريقة المثلى لدوام السعادة واﻹحساس الحقيقي بها، كما أن اﻹنفاق مما رزقنا الله من خير على المحتاجين، نوع آخر للاحتفاء بالنعمة، وسبيل مضمون لدوام أثر السعادة في قلب اﻹنسان.

اقتناء كنز السعادة الحقيقية على أسس إيمانية هو كنز لا تفنى درره، فهو يؤثر في حياتك ليملأها بهجة وسروراً، ولن يعرف ذلك ويلمسه بشكل محسوس إلا من امتلك القناعة واﻹيمان، وأيقن بأن سعادته ليست بأيدي البشر، وإنما بعمله، وباستغلاله لوقته والفرص حوله، وبالاتكال على الله ومشيئته سبحانه.

فرص السعادة حولنا كثيرة، وهي ليست في المال فقط، كما يظن ويروج البعض، ولكنها تتمثل في الالتزام بقيمنا الاجتماعية التي نمارسها بصورة جلية في حب الوطن والعمل من أجل رفعته، وفي حب الأهل والأقارب، والحفاظ على النسيج اﻷسري، وفي مساعدة الضعفاء، وكذلك في التعاون والعمل ﻷجل الخير مع اﻵخرين، وستجد أن الإخلاص والأمانة في كل عمل تقوم به هما الجسر الذي ينقلك للسعادة والبهجة والراحة النفسية.

وإذا عدنا لطبيعتنا البشرية، فكل إنسان يسعى لتحصيل السعادة رغم اختلاف اﻷعراق والمعتقدات والديانات والمذاهب، ولكن جميع البشر اﻷسوياء يتفقون في أمر واحد، هو أن السعادة تتمحور حول السكينة والطمأنينة والشعور بالأريحية والبهجة، وهذه العناصر لن تتوافر إلا بوجود الوطن الآمن المستقر، والنسيج الاجتماعي المتماسك.

ما يزعجني أحياناً التقائي بأشخاص يظنون أنهم لن يكونوا سعداء أبداً، بل ويجزمون بأن السعادة لم تخلق لهم، وإذا بحثت في أسباب نظرتهم السوداوية السلبية أجد أنهم مؤمنون بأن المال هو السبب الوحيد للسعادة!

هم ينسون كل نعمة أخرى وهبهم الله إياها، من صحة وعائلة ووطن آمن، فتجدهم يبحثون عن السعادة في أمور أخرى وهم قد حيز لهم ما لم يجده غيرهم!

يقول الأديب الروسي تولستوي: «السعادة أقرب ما تكون إلينا، إننا نبحث عن السعادة غالباً وهي قريبة منا، كما نبحث في كثير من الأحيان عن النظارة وهي فوق عيوننا»!

لذلك لا تتشاءم، وكن إيجابياً، وتحاشَ كل تفكير سلبي، وذلك بحسن الظن برب العباد، وحسن الظن بالعباد، واحتفِ واحتفل بإخلاصك في كل عمل تنتجه وعمل تنجزه، فإحساسك بحلاوة اﻷمانة، حتى ولو لم تنل مردوداً مما أنجزته، سيكون وقعه أكثر إيجابية وسعادة على نفسك من ذلك الذي لم يخلص في عمله ونال فوق ما يستحقه.

وأخيراً، نتائج السعادة الحقيقية بالنسبة لي، ومن وجهة نظري، تتلخص في قول الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم: «من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا».

فلنحتفِ بأننا «أسعد شعب».

saeed@uae.net

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر