مزاح.. ورماح

«للحفظ..!»

عبدالله الشويخ

الناس لم تعد الناس.. أصبح الكثيرون يعرفون حقوقهم القانونية.. يجادلون الشرطة.. ينبهونك إذا تلفظت بأمر يعاقب عليه القانون.. يرفضون طلبك للتوقيع بدلاً منك ولو لاستلام غترة من الدوبي.. يحفظون مبالغ الغرامات.. وعدد الأيام التي ستحبس عليها مقابل كل شيك يرجع من (الوكالة)!

رحل الطيبون الذين يقال لهم يمين يمين يسار سيار.. لذا فالجميع أصبح لا يطيق كلمة (للحفظ) التي يكتبها بعض المسؤولين في الدوائر على الطلبات والمعاملات الرسمية، بل ويطالبون ــ عفا الله عنهم ــ بأن تجرّم هذه الكلمة جنباً إلى جنب مع الألفاظ البذيئة وطلبات الرشوة وهدر المال العام..!

(للحفظ) هي أسخف عبارة حكومية يمكن كتابتها على طلبك، فكتابة (للحفظ) يعني بأنك حين تراجع.. تسأل: هل المعاملة مقبولة؟ فيقول لك السكرتير السمج: لا، فتسأل مرة أخرى إذن هي مرفوضة، فيقول لك أيضاً لا! المسؤول لم يرفضها، لكنه كتب: للحفظ!

جيد هو لم يرفضها، إذاً هل يمكنني مناقشته: لا!.. لماذا؟ يجيبك: «لأن المعاملة محفوظة.. أي تم إغلاق ملفها».. أين ملفها؟ «لا يوجد لها ملف الآن».. لماذا ؟!.. «لأنها للحفظ».. أبوك.. «أها! هل تعلم بأن هذه كلمة يعاقب عليها القانون!؟».

ويستمر الحوار على هذه الطريقة، فالمسؤول لم يكتب (للاعتذار) أو (مرفوضة) ويريح المراجع ولكنها (للحفظ)، ربما باستعمال الفورمالين الذي يستخدمه طلبة الطب لحفظ الجثث التي يشرّحونها في ما بعد لكي يتعلموا كيف يصيبون أجسادنا بالأخطاء الطبية في ما بعد، ولكن فيم ستستخدم معاملتي.. لا أعرف!

هل يقصد الأصدقاء المسؤولون للحفظ بأن تحفظ معاملتك كما تحفظ بطون الشعر أو كما يحفظ شاعر جاهلي إحدى المعلقات لكي تقوم بسردها على الجميع لأربع وعشرين ساعة على ناصيات المقاهي وفي خطوط البث المباشر وفي أحلامك ويقظتك.. وربما كي تُسّمعها في يوم الحساب العظيم!

(للحفظ) هي طريقة مبتذلة من عصور البيروقراطية الفرنسية التي جاءتنا بطريقة لا تخفى عبر وكيلهم الحصري في الدول العربية.. هي طريقة لإهانة المراجع وإبلاغه بأنه لا يعني شيئاً لدى الدائرة التي يراجع عندها، وليست لديها أسباب تجبرها على احترامه وإبداء أسباب الموافقة أو الرفض.

(انت ولا حاجه) معاملتك تم حفظها.. كلمة بسيطة تغني المسؤول عن إرسال المعاملة إلى الموظفين والتقصي وفتح الملفات والنظر في حاجة المراجعة ومخاطبة جهات أخرى، لذا فأفضل طريقة للانتهاء من الأمر كله هو استخدام عبارة (للحفظ).. حفظكم الله تعالى من المرور بتجربتي المحفوظة!

أعتقد بأن بعض المسؤولين لولا الحياء لاستبدلوا العبارة بكلمة (لبسوه الباب)!

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر