5 دقائق

الصديق المُزيَّف

الدكتور علاء جراد

الإنسان كائن اجتماعي، وهو في سعي دائم لتكوين صداقات، ولو كانت افتراضية من خلال وسائل التواصل، وقد يعتقد الشخص أن لديه صداقات حقيقية، ويسعد بارتفاع عدد متابعيه، لكن الصداقة الحقيقية هي أقرب إلى المستحيل، بل إن العرب ببلاغتهم جعلوا الصديق الوفي أحد المستحيلات، فدائماً نسمع مقولة «هذا من رابع المستحيلات»، والمستحيلات الثلاثة هي الغول والعنقاء والخِل الوفي.

«لو أنعم الله على الإنسان بصديق واحد أو اثنين أوفياء، فإن ذلك بمثابة هبة من الله عز وجل».

إذن الخِل الوفي هو بمثابة المستحيل، ولو أنعم الله على الإنسان بصديق واحد أو اثنين أوفياء فإن ذلك بمثابة هبة من الله، خصوصاً في زمننا الذي طغت فيه المادة، ولم يعد الناس يلتزمون بوعودهم.

لا يستطيع الإنسان أن يحيا بمفرده، وهو بحاجة إلى أصدقاء، لأن ذلك يشبع حاجته إلى الانتماء والأهمية، بل والعطاء أيضاً، وكلنا بحاجة لبعضنا بعضاً، لكن هناك فئة ــ أصبحت الغالبية العظمى ــ لا تعرف أحداً إلا وقت أن تحتاج إليه فقط، فإذا انقضت الحاجة لم تعد هناك حاجة لهذه المعرفة. ولا يمكن أن تبذل أي نوع من العطاء، ولو بالنصيحة، وإن قدمت النصيحة فهي ليست صادقة، بل لأهداف خفية، قد تتضمن مصلحة ذلك الصديق المزيف.

استوقفتني مقولة المبدع جبران خليل جبران «الصديق المزيف كالظل يمشي ورائي عندما أكون في الشمس، ويختفي عندما أكون في الظلام»، نعم ذلك الصديق المزيف سيكون دائماً لاهثاً وراءك مثل ظلك، وسيكون حريصاً على الظهور بجانبك، والاستفادة منك، بل واستغلال وجودك تحت الأضواء، لكن بمجرد أن يمر عليك الظلام، ولو فترة وجيزة، سيختفي، أو في أحسن الأحوال سيوجد كشكل خارجي دون جوهر، ودون وجود حقيقي. إن مثل هذا الصديق المزيف يقرب إليك البعيد، ويبعد عنك القريب، فلابد من معرفته والبعد عنه، أو على الأقل عدم الاعتداد به صديقاً، وفي الوقت نفسه على الإنسان أن يتمسك بالخِل الوفي، ذلك الصديق الحقيقي الذي يؤثرك على نفسه، ويصدقك القول بكل أمانة، لا يقول لك ما تود سماعه. الصديق الوفي ستجده دائماً بجانبك قبل أن تطلبه، وسيحفظ أسرارك، ويفي بوعوده، مهما حدث، وسيشجعك باستمرار على تحقيق أهدافك، أما المزيف فستجده دائماً وأنت لا تحتاج إليه، وسيختفي تماماً عندما تكون بحاجة إليه، وسيعود ومعه دائماً قائمة طويلة من الأعذار المعدة مسبقاً. يقول بنيامين فرانكلين: «الصديق هو من تخبره عن أخطائك قبل أن تعترف بها لنفسك»، قد يكون مفيداً إعادة تنقيح قائمة الأصدقاء من فترة إلى أخرى.

Alaa_Garad@

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر