5 دقائق

سماعة الطبيب ليست للبيع

خالد الكمدة

حديثة هي مستشفياتنا وراقية، نظيفة ومرتبة، معاملاتها إلكترونية وإجراءاتها تحسن باستمرار، ولايزال جلنا يفكر خارج حدود الدولة إن أصابه ألم أو خشي مرضاً. في وقفة صريحة علينا أن نعترف بأن الطبيب هو أصل جودة العلاج، وأن غيابه أو تغيبه أو ضعف الثقة به تفريغ للخدمات الطبية من مضمونها، علينا أن نعترف بأن بناء الثقة في جودة الخدمات الطبية يتطلب السير في طريق طويلة جداً، وبأننا لم نضع أقدامنا بعد على هذه الطريق التي يمهدها ويعبدها الأطباء أولاً قبل أن تنيرها وتزينها أسرّة المستشفيات وتقنيات غرف العمليات.

«مهنة الطب استثناء عندما تكون القاعدة تحديد الأهلية للعمل بعمر معين».

ولأن الطبيب هو جوهر الخدمة الطبية، فنحن بحاجة إلى تقييم فهمنا لأهميته ومراجعة كل التفاصيل التي نحيطه بها في حياته العملية والاجتماعية، والتي أغفلنا فيها ولانزال استثنائية مهنته، وخصوصية خبرته، وكبر حجم المستفيدين منها وعظم هذه الفائدة، بحاجة إلى مراجعة أسباب عزوف المواطن عن مهنة نبيلة لا ترتبط بزمان ولا مكان، مهنة كريمة مطلوبة أينما وجد بشر، مهنة يحتاجها الصغير والكبير، الغني والفقير، والخيّر والشرير.

إنهاء خدمات طبيب بفعل القدم، أو «إحالته للتقاعد» بعبارة الموارد البشرية، جملة مبهمة وعجيبة، تماماً كأن يعرض الطبيب سماعته للبيع، وهي على أغلب الظن مستهجنة في كثير من المجتمعات، سيما وأن شعورنا بالاطمئنان يزداد كلما ازداد عدد الشعيرات البيض في اليد التي تمسك المبضع، كيف لا وخبرة الطبيب التراكمية جمعت من معايشة آلام البشر ومداواة رضوضهم.

مهنة الطب استثناء عندما تكون القاعدة تحديد الأهلية للعمل بعمر معين، ليس فقط لأهمية الخبرة التراكمية لدى الطبيب، ولا لأجل السنوات الطويلة التي قضاها في التعلم والدراسة، بل لأن وجوده على رأس عمله ضرورة لنقل الخبرة، ولأن صلاحية هذه الخبرات تزداد مع الوقت ولا تنقص.

تحدثنا كثيراً عن خطورة هدر الخبرات، وأهمية استثمارها في تعليم الأجيال الشابة، لكن الأمر أكثر خطورة وأهمية عندما يتعلق بالطب والصحة، بمهارات جمعت بصعوبة وخلال سنوات طويلة، لتهدر قبل أن تؤتي أكلها، قبل أن تنفع المجتمع بما حصلت عليه وتعبد الطريق لنيل ثقته بقدرتها وخبرتها.

إقالة الطبيب عزل له عن العطاء، وهدر مجحف لخبرة مهمة، وليس به تصان صحة المريض، فالطبيب هو أقدر الأشخاص على تقييم قدرته على العمل وليس بحاجة لمن يقرر له ذلك، والأجدر أن يترك له القرار إذا كان يريد تخفيفاً للأعباء عنه، أما أن يحرم من تناول خبرته صغار الأطباء وأن يسلب المرضى حقهم في الاستفادة منها، فهذا ليس لمصلحتهم ولا لمصلحة الطب ولا لمصلحة المجتمع.

KhaledAlKamda@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر