مزاح.. ورماح

كيف حال العرب؟

أحمد حسن الزعبي

لم يشعر بالجوع على الإطلاق ، لكنه شعر برغبة جامحة في فنجان قهوة بأحد المقاهي الدمشقية القديمة، فمنذ نصف قرن لم يدخل جوفه شيء على الإطلاق، ثمة حواجز أمنية وسيارات عسكرية كانت مزروعة في الشوارع المهمة، دخل شارعاً فرعياً ليجد مقهى «الوحدة العربية» في المواجهة تماماً، يا الهي إنه مقهاه الشعبي المفضّل، لم يتغير شيء في المكان، والحمد لله أنه لم يتغيّر شيء، أخذ مقعداً قرب الباب وبدأ يراقب الطريق خارج الزجاج..

- تشرب شي أستاذ؟

- قهوة من دون سكر.

بخوف وريبة جلس وحيداً يفكر في ما حدث له خلال نصف قرن من الغياب، وكلما دخل المقهى زبون أو صاحب حاجة، كان يواري يديه المتسختين بالتراب، وأظافره السوداء الطويلة، هناك من خلف طاولته العتيقة المرتفعة، كان يراقبه صاحب المقهى، قام عن كرسيه، اقترب منه، أستأذنه بالجلوس فأذن له الميت الحي بالجلوس..

صاحب المقهى: لا تآخذني من أول ما دخلت القهوة وأنا بسأل حالي وين شايفك؟

الميت الحي: أنا؟ أنا محمد فخري البارودي.

صاحب المقهى: يا سلام على اسم الشاعر العظيم.. الله يرحمك يا بارودي!

محمد فخري البارودي: أنا هو.. صاحب قصيدة «بلاد العرب أوطاني»!

صاحب المقهى ضاحكاً: دمك خفيف مثله سبحان الله.

البارودي: قسماً بالله أنا هو بشحمه ولحمه!

صاحب المقهى: عموه.. هداك الرجال مات بالستينات يعني قبل 50سنة.

البارودي: قسماً بالله أنا هو.. والآن طلعت من القبر.. وقلت آجي أشرب فنجان قهوة بـ«الوحدة العربية».

صاحب المقهى يقوم عن كرسيه ممتعضاً وينادي على صبي المقهى: جيب قهوة هون يا ولد.. ثم يتمتم «فكرناه عاقل»..

محمد فخري البارودي: يا أخي اعتبرني مجنوناً.. واجلس!

جلس صاحب المقهى من جديد: آمر إيش بتريد؟

محمد فخري البارودي: ما رح آخذ من وقتك.. بس خبّرني كيف حال العرب؟

صاحب المقهي: زفت!

البارودي: ليش شو صار بالخمسين سنة التي غبتهم؟

صاحب المقهى: احكي شو ما صار.. فلسطين سلامتك.. العراق انقسام واقتتال.. سورية انقسام واقتتال.. اليمن انقسام واقتتال.. ليبيا انقسام واقتتال.. السودان انقسام من دون اقتتال.. مصر اقتتال من دون الانقسام.. والبقية تأتي!

الباردوي: آآخ يا وطني.. معك ورقة وقلم؟

-صاحب المقهى منادياً: هات ورقة وقلم يا ولد.. ثم همس للبارودي مستهزئاً: شو بدك تكتب أستاذ؟

البارودي: بدي صلّح خطأ مطبعياً عمره 70 سنة ويمكن أكثر.. تناول القلم وفتح جرح الحاء وقال بمرارة هيك قصيدتي أزبط: «بلاد الحُرب أوطاني».. ثم ترك فنجان قهوته وغادر!

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر