5 دقائق

حاجة الناس إلى علم التزكية

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

التزكية الروحية والخُلقية من أشرف العلوم والفنون؛ لأنها تُعنى بتهذيب النفس البشرية بصدق العبودية، وصفاء الطوية، والسيرة المُرضية بين العبد والرب وسائر البشرية، وهي مبتغى كل إنسان لعظيم شرفها، والكثير من الناس قد يدعيها فلا تصدق دعواه، عندما تأتي شواهد الامتحان، فلا يفلح في سلوكه مع ربه أو مع إخوانه البشر، ولذلك قد يعريهم الله تعالى من ذلك فيقول:{فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}، أي أن التقوى هي دليل التزكية، والتقوى محلها القلب الذي هو محل نظر الرب، سبحانه، فلا يخادع فيه، والآية تشير إلى أن الناس يريدون تزكية أنفسهم لما في التزكية من الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة كما قال سبحانه {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى}، وإذا أطلق الفلاح من الله تعالى فإنه لا يعقبه خسران ولا هوان، فهو عنوان السعادة الأبدية والنجاح السرمدي، وقد بين الله تعالى معايير التزكية لمن أراد أن يتحلى بها بصدق فقال سبحانه: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى} فبين أن الإيمان والعمل الصالح هما جناحا التزكية الموجبة للفلاح والنجاح في الدارين، أما الإيمان فهو التصديق الكامل بما جاء عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وبرهان ذلك تطبيق ما جاء في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بالأعمال الصالحة والبعد عن السيئة، فلا يمكن أن يتحقق بالتزكية من قصّر في الواجبات أو وقع في السيئات، ولا يعني ذلك أنه معصوم أو أن الله لا يغفر الذنوب، فذلك شأن آخر لا مجال لإنكاره، إنما من قصر أو وقع هل بلغ درجة التزكية؟ ذلك ما يحتاج أن يعرفه مبتغي التزكية، فإنه قد يكون جاداً في طلبها، وظاهره يدل على أنه من أهلها، إلا أن المعيار الذي وضع لها غير متحقق فيه، فيكون ممن قال الله فيهم: {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}.

«الإيمان والعمل الصالح هما جناحا التزكية الموجبة للفلاح والنجاح في الدارين».

لقد كانت بعثة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لتزكية الناس، كما بين الله تعالى ذلك في ثلاث آيات من كتابه الكريم، فقام عليه الصلاة والسلام بهذه المهمة أعظم قيام، فما من حال يرقِّي الناس إلى التزكية إلا حث عليه ورغب فيه، وما من حال يبعد الناس عنها إلا نفر وحذر منه، وقد كان متحلياً بذلك في نفسه، والأمة معنية باتباع أقواله وأفعاله وأحواله، فلو أنها اتبعته في كل ذلك لبلغت درجة التزكية التي تنشدها.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر