مزاح.. ورماح

«أم القزايز»

أحمد حسن الزعبي

على واجهة الدكاكين القديمة كانت تتدلى أباريق الوضوء وقلادة المكانس كجديلتين ملوّنتين.. في القرى كان الدكّان، مكان التنزّه الوحيد، وصندوق البريد، ومقسم الهاتف، والمرور الآمن إلى بيت الحبيبة، والمكان المتاح لتدخين «سيجارة فرط»، وشرب زجاجة كولا «شفط» بسرعة وبارتباك قبل أن يبلغ الخبر أحد والديك أو كليهما.

مجرّد أن تصدر رنّة قطعة النقود في كفة الميزان غير المتوازن أصلاً، أمام صاحب الدكان، وطلب علبة كولا من الثلاجة المطفأة.. فإنه يسألك السؤال التقليدي: تشربها هون ولا تأخذها معك؟ إذا كنت تفضل شربها في الدكّان فعليك أن تشربها «على الواقف» وبسرعة، أمام نظرات صاحب الدكان الحادة، وهو يراك تكرع الكولا المطشطشة في الصيف الحار، دون أن يجرؤ هو على الشرب مثلك، كي لا يضيع ربح الصندوق كاملاً من وراء النفس الأمّارة بالسوء، المهم بعد أن تنهي الشرب وتمسح فمك في كمّ قميصك.. يؤشر لك «الدكنجي» بغضب وحسد مكبوت: «حطها هناك» في الصندوق الفارغ..

أما في حال أصابك الغرور، وأردت الاستعراض أمام صبايا الحي وأنت تشرب الكولا، وتضع رجلك على عمود الكهرباء وقلت للدكنجي: سآخذها معي.. عندئذ عليك أن تدفع رهن الزجاجة الفارغة، الذي يساوي ثمن الزجاجة الممتلئة آنذاك.. ويبقى الرهن مسجلاً في ذمتك حتى تحضر الزجاجة مخفورة إلى مالكها الدائم، وتفك «الرهن».. ففي أوائل ثمانينات القرن الماضي لم تكن العبوات المعدنية قد وصلت إلينا بعد.. لذا كان شرب الكولا أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما بحضور مأذون شرعي «الدكنجي»، أو بوضع رهن باهظ، وهو بمثابة «مهر» للزجاجة.

**

لا أدري لم تذكّرت قصة زجاجات الكولا، والرهن هذا، عندما قرأت أن «سارة» زوجة بنيامين نتنياهو متّهمة بقضية فساد أقرب إلى الفضيحة.. حيث تطلب منذ عام 2009 من عمال ديوان الرئاسة جمع الزجاجات الفارغة التي تبقى وراء الضيوف والزوار، وإعادتها إلى البقالات القريبة والحوانيت، واستعادة الرهن وأخذه لجيبها الخاص، بدلاً من أن تعيده لخزينة «الدولة» حسب القانون.. «يا حسرة قلبي على أم القزايز» وفسادها.

**

صحيح أنهم صهاينة، وأعداء، وقتلة أطفال، ويبتلعون وطناً بأكمله من الفاء إلى..

لكن يا أخي «فسادهم» طفولي!

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر