5 دقائق

لا يجتازه بنجاح إلا ملكة مثلك

خالد الكمدة

بوشاحها الفاخر المزخرف، تجوب على غير هدى أروقة قصرها، تبحث بقلب مضطرب عن شيء لا يسميه عقلها، تضحك تارة فتشرق الشمس في كل الزوايا، وترتدي الجدران والسلالم السلام، وتندفع اللآلئ فجأة من جفنها الذي زاده التعب سحراً، كمزنة ركامية، فتبكي معها الأمكنة والأزمنة، ويقف الوقت في الزاوية، ويختبئ المستقبل عند أقرب ركن، هكذا نغرق بين الفرح والوجل، ونقف حيرى أمام ضرورة التغيير ووجع الاشتياق، فهلّا ترأفت بنا يا ملكتي، وهلّا عادت لنا عطاياك الملكية، وبدأنا عهداً جديداً من الاستقرار؟

«إذا بقيت الطيور في العش الذي وضعت فيه فستسقم، لأن صحتها في الطيران، وحياتها في التنقل بين الأغصان، ولها موعد على عش آخر».

إذا بقيت الطيور في العش الذي وضعت فيه فستسقم، لأن صحتها في الطيران، وحياتها في التنقل بين الأغصان، ولها موعد على عش آخر، ستصنعه لنفسها، لتعود منه الحكاية للبداية، هذا هو قدرنا، وهذا هو نهج الحياة.

أعوام عشرون، أو ثلاثون، تقضيها الأم بتفاصيلها، بحالك لياليها ووضيء أيامها، تفكر فيه، وله، تدور حياتها حوله، كما تطوف أرضنا بشمسها. لأجل سعادته تستيقظ في البكور، وتتهجد في السحر، تراقبه قبل أن تراه الأعين، مذ كان نطفة في أحشائها، نما وكبر، ثم خرج إلى الأرض، حبا ومشى وركض، اشتد عوده، ولم يعد بحاجة لإمساك يدها ليعبر الطريق، لكن يدها لاتزال حظية لديه، يقبلها كيفما أدركها، ويأخذ بقبلته جرعة ثمينة من حب غير مشروط، ثم يبرح، يبدأ رحلة جديدة حلمت له بها أمه.

يبرح أرض أمه لتستمر الحياة لا لتنتهي، لتكتمل الرحلة التي بدأت في أحشائها، يخطو خطوات أوسع، يخطو وحيداً أو برفقة شريكة لا معرضاً عنك ولا راغباً عن صحبتك، بل لأنكِ عملت على مدار عقود ليصل إلى ذلك.

مقيتة هي فوضى المشاعر، تحدٍ آخر تنفرد به الأم، تصارعه دون أن يشعر بها المحيطون، وقد يغلبها في كثير من الأحيان. عسير هو امتحانها الذي يقارن بين درجة إنسانيتها التي تعلقت به ودرجة أمومتها التي تعلقت بسعادته، بين أن تضع عقوداً من عمرها في الخزانة بين ألبومات الصور وتبدأ مرحلة جديدة تراقبه فيها عن بعد بابتسامة رضى، وبين أن تتمسك بما مضى من تفاصيل، منكرة تغييراً أرادته، ومدبرة عن مستقبل اشتاقت إليه. معقد هو اختبارك كما هي جميع اختبارات الأمهات، ولا يجتازها بنجاح إلا ملكة مثلك، تحفظ بعدل حقوق الرعية.

KhaledAlKamda@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر