أبواب

مزيد من الحواس.. قليل من التأويل

يوسف ضمرة

شاهدت عرضاً لمسرحية «بيت برناردا آلبا»، للشاعر الكبير لوركا في عمّان، كان ذلك منذ سنوات خلت، ثم شاهدت عرضاً للمسرحية ذاتها في بيروت، وعرضاً آخر عبر الشاشة الصغيرة. ثلاثة عروض لمسرحية واحدة، والاختلافات جليّة واضحة. وقد كنت دائماً أتساءل عند مشاهدة فيلم مأخوذ عن رواية قرأتها، عن الأسباب التي تجعل الفيلم مختلفاً عن الرواية!

وللحق، فقد شاهدت أفلاماً تُخلص للأعمال السردية، ولا تكاد تغير فيها شيئاً، كالمواطن مصري «الحرب في بر مصر»، للروائي يوسف القعيد، على سبيل المثال.

من الراسخ أن استقبال النص الأدبي، يختلف عن استقبال النص المصور أو المُجسد. فبينما يعتمد استقبال النص المكتوب على حاسة البصر، تُضاف عند استقبال النص المصور حاسة السمع.

وقد مررت شخصياً بتجربة غريبة؛ فقد تناول خريج سينمائي في الجامعة الأميركية ببيروت، إحدى قصصي، وحولها إلى فيلم قصير كمشروع تخرج، وتناول القصة ذاتها مخرج أردني وحولها إلى فيلم تلفزيوني. كان الفيلم اللبناني بطول 14 دقيقة فقط، أما الأردني فبلغ ساعة كاملة أو أقل بدقائق فقط. ولنا أن نتخيل مقدار الإضافات في الفيلم الأردني، خصوصاً حين نعرف أن القصة لا تتعدى عشر صفحات. وتساءلت حين شاهدت النسخة الأردنية: لماذا أضاف المخرج شخصية أخرى؟ وماذا سيحدث للفيلم من دونها؟ تكمن الإجابة في الفيلم اللبناني الذي لم يفعل ذلك، وكان أكثر تماسكاً، وأبلغ في رسالته.

من الراسخ أن استقبال النص الأدبي، يختلف عن استقبال النص المصور أو المُجسد، فبينما يعتمد استقبال النص المكتوب على حاسة البصر، تُضاف عند استقبال النص المصور حاسة السمع، أي أننا لا نكتفي بالعين حين مشاهدة الفيلم أو العرض المسرحي، ومن المؤكد أن الجمع بين حاستين في استقبال عمل فني، يختلف عن الاعتماد على حاسة واحدة، هذا يعني أن على صانع الفيلم أو العرض المسرحي أن يأخذ في اعتباره أنه يقوم بإبداع عمل فني مختلف عن العمل الأول، لكن، هل يعني هذا أن يقوم الصانع بتغييرات ملموسة؟

لا يقتصر الأمر هنا على الاعتماد على حاستين، بل يتعداه إلى فهم النص الأصلي الذي يختلف من شخص إلى آخر، فإذا كان أحدهم رأى في «بيت برناردا آلبا» قسوة الأم وفظاعتها، فهنالك من تلمس مقدار الحرمان عند الشقيقات، وهنالك من رأى الأم تقوم بحماية بناتها، لكن بطريقة خاطئة. هنا يقوم كل مخرج بإبراز الفكرة التي رسخت في ذهنه، ويعمل لأجل ذلك على بعض الإضافات، ويقوم بحذف بعض التفاصيل التي قد تشتت المتفرج، أو تحرفه عن الفكرة التي يريدها المخرج «المبدع الجديد» للنص. وفي روايات عدة، يضطر المخرج للاستعانة ببعض الإضافات، لأن الكاميرا تعجز أحياناً عن نقل المشاعر بدقة، كما تفعل اللغة، أو لنقل إن لغة الكاميرا تختلف عن اللغة المكتوبة، الأمر الذي يشبه نصا بلغتين مختلفتين، إحداهما نستعين بمن يقوم بترجمتها، وهو هنا طاقم مكتمل، مكون من مخرج ومصور ومونتير وممثل وديكور وموسيقى وإضاءة، فهذه العناصر كلها تقوم مقام اللغة المكتوبة التي يسهل على المتلقي فهمها.

في المحصلة النهائية، غالباً ما تقل القدرة على التأويل في العمل السينمائي أو المسرحي، كما يحدث مع النص المكتوب. وإذا ما لاحظنا أن الفن التشكيلي يعتمد حاسة واحدة فقط، والموسيقى كذلك، وانتبهنا إلى مساحة التأويل الهائلة فيهما، فإننا قد نرجح أن ازدياد الحواس في التلقي، يحد من قيمة التأويل، إلى حد ما!

damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر