كل يوم

تقديم الأفضل.. أو ترك المكان للأفضل!

سامي الريامي

فلنكن واقعيين، ولنعترف بأن مستوى استجابة الوزارات والهيئات الحكومية الاتحادية للتطور والتحول إلى جهات ذكية ليس جميعه بالمستوى ذاته، فهناك من يبذل جهداً كبيراً لإجراء نقلة نوعية في تقديم الخدمات بطريقة ذكية، وقطع في ذلك شوطاً كبيراً أيضاً، وهناك جهات يبذل المسؤولون فيها جهداً طيباً، يجتهدون ويحاولون لكنهم لم يصلوا بعد إلى المستوى المطلوب، وهناك مسؤولون لم يحاولوا ولم يجتهدوا، بل إن الجهات التي يديرونها مازالت تقدم خدمات «يدوية» بدائية مقارنة بغيرها، وكأنهم لم يسمعوا من قبل عن الخدمات الإلكترونية، ولم يدركوا أن الدولة تجاوزت بتطورها التقني الخدمات الإلكترونية وتحولت إلى حكومة ذكية!

«على المسؤولين فيها أن يدركوا أن مجاراة التطوّر، وتقديم أفضل الخدمات، والتسهيل على المراجعين فرض عين عليهم».

لا يمكن التذرع بنقص الإمكانات المالية، فهذا عذر لا يمكن القبول به في ظل حكومة لا تبخل بجهد ولا مال من أجل التطوير، ليس هناك عجز مالي، ولا يمكن تصديق عدم وجود ميزانيات أو خطط مالية، بقدر ما توجد هناك عشوائية وفوضى واضحة في فهم الأولويات والأساسيات التي على ضوئها يتم تحديد أوجه الصرف من الميزانيات المخصصة لكل جهة.

تلقيت الأسبوع الماضي رسالة مصورة التقطت في مكتب مدير إدارة يعمل في جهة اتحادية مهمة، لا يمكن تصديق أن هذا المنظر موجود في مبنى حكومي في الإمارات، إنه أشبه بالأفلام العربية القديمة، حيث تتكدس الملفات بشكل عمودي، لن أبالغ كثيراً إن قلت إنه يمكن أن يلامس السقف لو وضعت جميع الملفات بعضها فوق بعض، هذا المدير عليه أن يراجع كل ملف على حدة، وعليه اعتماد وتوقيع كل هذه الملفات وإلا لن تنتهي هذه المعاملات، وعلينا تخيل الوقت الذي سيمضيه بين هذه الأكوام المكدسة من الملفات حتى ينهيها جميعاً، كما علينا في الوقت نفسه تخيل حجم الوقت الذي سيقضيه العميل أو المراجع المواطن حتى تنتهي معاملته!

ليس العيب في هذا المدير، فلو كان هناك توجه واضح من الإدارة العليا في الجهة التي يعمل بها نحو التطوير الإداري والتحول الذكي، لوجدوا ألف برنامج ونظام إلكتروني وذكي يساعده على أداء هذه المهام، ويختصر عليه زمن الإنجاز، والأهم أن يفكروا ولو تفكيراً في اختزال زمن إنهاء المعاملات تسهيلاً على المراجعين والمتعاملين، ولكن يبدو أن الحكومة الذكية لم تمر أمام هذه الجهة أبداً!

نقص الإمكانات المالية ومخصصات التطوير ليس هو العائق، أعود وأؤكد على هذه النقطة، فهذه الجهة على سبيل المثال وزعت على بعض موظفيها مكافأة أو «بونص» تكفي لتطوير برنامج إلكتروني يسهل من إجراءات العمل الطويلة والمملة فيها، وتكفي أيضاً لإيجاد حلول ذكية لكثير من المعوقات الحقيقية التي تعرقل تقديم خدمات متميزة للعملاء والمراجعين!

هذه النماذج لا يمكن أن تستمر أبداً في ظل الثورة الرقمية والتقنية والذكية التي تجتاح الإمارات، هذه الثورة المحمودة التي حققت للدولة نقلة نوعية غير مسبوقة في مجال التطور الإداري الحكومي، الذي وصلت به حكومة الإمارات للمركز الأول عالمياً في مجال الكفاءة الإدارية، وهذا المركز العالمي لا يتناسب أبداً مع ما يجري في جهات ومؤسسات وهيئات تتبع بشكل أو بآخر للحكومة الأكفأ على مستوى العالم، لذا فعلى المسؤولين فيها أن يدركوا أن مجاراة التطور، وتقديم أفضل الخدمات، والتسهيل على المراجعين، فرض عين عليهم، فإما تقديم الأفضل، أو ترك المسؤولية للأفضل!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر