كل يوم

حفلات تكريم.. وحفل وداع!

سامي الريامي

استشاري شركة للتطوير الإداري، تقدم خدماتها لتطوير عدد من الحكومات العربية، التقيته مصادفة، فقال لي: «أتعرف ما السؤال المتكرر، الذي أسمعه دائماً عند تنفيذ أي مشروع للتطوير الإداري الحكومي في الدول العربية؟». قلت: «طبعاً، لا». فقال: «ما سرّ تطور الإمارات في هذا المجال؟!». قلت له: «صحيح، ما سرّ تفوق الإمارات من المنظور العلمي، الذي تقدمه شركتكم الاستشارية عند تقديم مشروعات التطوير الإدارية لعملائها؟!».

النظريات الإدارية واحدة، وهي معروفة، ويمكن تدريسها ودراستها، ولا توجد دولة في العالم تقريباً لا يوجد فيها معهد للتدريب أو التطوير الإداري، أو جامعة أو كلية تدرّس الإدارة ونظريات الإدارة، لذا فالمادة العلمية والنظرية متاحة وموجودة لدى الجميع، والإمكانات المالية هي أيضاً متوافرة في كثير من الدول، ولا أتوقع أن توجد دولة لا تستطيع توفير ميزانيات خاصة للتطوير الإداري أو الحكومي، فهي متاحة وليست باهظة التكاليف، إذن، أين يوجد السر، وكيف يمكن صناعة الفرق؟!

وجود القائد الذي يدير الحكومة بالعقلية الحديثة، ويمتلك رؤية واضحة ومحددة، ومتابعة تنفيذها، هو أهم متطلبات نجاح التطوير الإداري.

يقول هذا الاستشاري، بالتأكيد هذا الكلام صحيح، ودراسة علم الإدارة الحديث، أو تدريسه، ليسا معضلة، ولكن كيف يمكن تطبيق وتنفيذ كل ما نتعلمه في فن الإدارة الحديثة، هنا المشكلة، والمشكلة الكبرى تكمن في كيفية إقناع حكومة بأكملها، مسؤولين وموظفين، بتطبيق مفاهيم الإدارة الحديثة والتعامل بها، وأعتقد هذا هو سر نجاح الإمارات.

ويرى أن وجود القائد، الذي يدير الحكومة بالعقلية الحديثة، ويمتلك رؤية واضحة ومحددة، ويعمل جاهداً على نشر رؤيته، ومتابعة تنفيذها، وتنفيذ كل متطلبات التطوير بشكل يومي، هو أهم متطلبات نجاح التطوير الإداري، وهذا الأمر أثبت نجاحاً منقطع النظير في الإمارات، حيث يعمل رئيس الحكومة على تنفيذ وتطبيق متطلبات التطوير على المستوى الوزاري، ويتابع تطوير كل وزير لعمله، ويراقب نجاح العملية التطويرية من أعلى هرم كل وزارة، ثم يقيس مخرجاتها، ويطمئن على إحداثها للفرق ميدانياً وواقعياً، فلا مجال هنا لأي مسؤول مهما كان منصبه الوظيفي أن يعمل منفرداً بعيداً عن الرؤية الشاملة، ولا يمكنه السير عكس اتجاه التطوير، وتالياً فإن عملية التطوير تسير في كل اتجاه، أفقياً وعمودياً، ولذلك فإن حكومة الإمارات نجحت بشكل لافت ومدهش في إرساء قواعد التميز والتطوير، وما فعلته الإمارات في هذا المجال قبل عشر سنوات، هناك كثيرون لا يستطيعون فعله اليوم، وما سيفعلونه هم بعد عشر سنوات، ستكون الإمارات تجاوزته بأكثر من عشرين عاماً!

يضيف الاستشاري، لا تعتقد أني أجاملك، أو أني أبالغ في كلامي، صدقني أنتم في الإمارات لا تشعرون بحجم السرعة والنمو والتطوير الإداري الذي تمرون به، فالجميع هنا يتسابق، وكثيرون يعتقدون أنهم تخلفوا عن الركب، لأن السرعة عالية، لكن بمجرد مقارنة ذلك بواقع آخر في منطقة أخرى، ستكتشفون أنكم سبقتم كثيراً من دول العالم، صدقني نحن في الشركة نضطر إلى فتح ملفات قديمة، ونأخذ معلومات نشرت وطبقت في الإمارات قبل عشرة أعوام، لننفذ فيها مشروعات تطويرية آنية في دول أخرى!

بالتأكيد كلام محفز وجميل، لكن هذا لا يعني أبداً الاعتماد عليه، والركون إليه، والتوقف عن التطوير، فلابد من الاستمرار في عمليات التطوير، ولابد من البحث عن وسائل تكنولوجية تحقق رفاهية أعلى، وتخلق تسهيلاً أفضل في تقديم الخدمات المتميزة، فالمقارنة يجب أن تكون مع من سبقنا لا مع من سبقناهم، لابد من الاعتراف بأن التطوير هنا ليس على وتيرة واحدة، فهناك من دخل السباق وتفوق فيه، وهناك من لايزال «خارج الفورمة»، وهنا لابد من التذكير بحفلات التكريم والوداع التي وعد بها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، للمديرين الذين حققوا أو لم يحققوا نتائج إيجابية في تطوير الخدمات عبر الحكومة الذكية، وأعتقد أن هناك كثيرين يستحقون التكريم، كما أن هناك من يستحق أن نقيم له حفل وداع!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر