5 دقائق

محو التعلم

الدكتور علاء جراد

من المفاهيم التي بحثت فيها، خلال السنوات القليلة الماضية، مفهوم «محو التعلم» Unlearning وقد ساعدني كثيراً في سرعة التعلم، ويتلخص هذا المفهوم في أن المتعلم، أياً كان عمره ومركزه، لابد له في بعض الأحيان أن يمحو ما لديه من تعلم في موضوع ما، حتى يسمح لعقله ووجدانه أن يتقبل تعلماً جديداً، مثل الفلاح الذي يقتلع النباتات القديمة حتى يزرع نباتات جديدة، ومثل النقاش الذي ينزع ورق الحائط القديم من على الجدار ليضع مكانه ورقاً جديداً. والإنسان يحتاج إلى هذا المفهوم، خصوصاً عند حدوث تغيير، سواء في العمل أو الحياة الاجتماعية، فمثلاً عندما يتم استحداث إجراءات جديدة في العمل لابد أن نترك سريعاً عاداتنا القديمة وما تعودنا عليه حتى نسمح لعقلنا باستيعاب وتعلم الجديد، لا أن نقيد أنفسنا بأيدينا، فمحو التعلم يتطلب الانفتاح على معارف ومهارات واتجاهات جديدة.

يقول المفكر الكبير جاك أولدريش: «إن القدرة على محو التعلم ستكون أهم مهارة مطلوبة لدى الأشخاص الراغبين في النجاح مستقبلاً».

يقول الفيلسوف الإغريقي «زينون»: «إن أهم جزء في التعلم هو محو التعلم»، ويمكن اعتبار محو التعلم بمثابة نسيان العادات القديمة، ومن ثم تعلم عادات جديدة، ويأخذنا ذلك لمفهوم آخر وهو «إعادة التعلم» Relearning فهناك ارتباط بين محو (أو نسيان) التعلم، وبين إعادة التعلم، فنحن نمحو أو ننسى شيئاً بغرض تهيئة المناخ وخلق مساحة لتعلم شيء آخر، وقد يتم ذلك بطريقة تلقائية من دون أن نلاحظ، ولكن إذا لاحظنا هاتين العمليتين وأدركنا أننا نقوم بهما فستحدث العملية بسرعة وفعالية أكبر.

يحتل هذا الموضوع حيزاً كبيراً في أبحاث التعلم في الغرب، ويقول المفكر الكبير «جاك أولدريش»: «إن القدرة على محو التعلم ستكون أهم مهارة مطلوبة لدى الأشخاص الراغبين في النجاح مستقبلاً»، وهي وجهة نظر منطقية إذا ربطناها بإدارة التغيير لأن تقبل وتبني التغيير يتطلبان نبذ العادات والمعتقدات القديمة حتى ينفتح الذهن والوجدان للتغيير، وإلا فكيف سيحدث التغيير ونحن لا نرى أن هناك حاجة إليه وأن ما نعرفه هو الأفضل وهو ما يجب التمسك به، وهذا ما يقوله لنا التاريخ على مر العصور، وما حدث مع الرسل والأنبياء عندما أُرسلوا إلى أقوامهم «إِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا» (الآية 170 سورة البقرة) وقد ورد الحوار نفسه في العديد من سور القرآن، مثل سورة المائدة وسورة الأنبياء.

إن تمسك البعض بعاداتهم ورفضهم للتعلم والتغيير قد يؤدي إلى هلاكهم أو في أحسن الظروف ضياع الفرص، ولكن إذا استفاد الإنسان من تجارب الآخرين وحرص على التعلم فقد يكون ذلك طوق النجاة لبر الأمان.

Alaa_Garad@

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر