5 دقائق

تقاعد بلا شهادة تقدير

خالد الكمدة

الساعة الثامنة صباحاً، أنهت عائشة كل ما يمكنها القيام به في هذه الغرفة الصغيرة، أعادت ترتيب الملابس والوسائد، قرأت الصحف وتصفحت الشبكة.. وماذا بعد؟ لن تفكر في طعام الغداء، فهي ضيفة في هذا المنزل، لن تبخر المجلس، فلن تستقبل فيه ضيوفاً، لن تلمع المرايا حتى تظهر وسامة زوجها ولن تعطر له ثيابه، لن تحضر لاستقبال أهله بجميع ما لذ وطاب.. لن تصفف شعرها، فهذه الضفيرة تكفي في منزل الأخ، ولن تطيل التفكير في اختيار ملابسها، فلن يلتفت إليها أحد.. كثير هو كل شيء على هذه الحياة الخاوية، باردة جدران هذه الغرفة، وبيضاء بلا ألوان حياة عائشة بعد أن أذهلها هذا التقاعد المبكر.

«سنوات شباب أنفقتها تعمل بلا مقابل لم تدرك فيها أن عهود المحبة أيضاً تتلاشى، وأن للنهايات أسباباً كثيرة لا نعرفها ولا نأمنها».

اليوم، تضاءلت فرص عائشة في العطاء، بعد أن كانت دقائق حياتها أنهاراً متدفقة، صار الفراغ صديقها الوحيد، يحمل لها في كل يوم مزيداً من وجع الذكريات. لم يعد يومها مزدحماً بين كتب الأبناء ومواعيد الحافلات المدرسية والعيادات، ليست بحاجة لاستراق سويعات تنام فيها، فلها كل اليوم إن شاءت، لا سهر، لا عناء، لا قلق.. ولا حياة، بل وحدة مقيتة لا مكان فيها للبدايات الجديدة ولا معنى فيها للإبداع ولا طاقة تكفي لقطع مشاوير بعيدة وإنجاح مشروعات جديدة. هكذا تركها كل شيء، ليس الأسف على من نقض العهد بل على سنين عاشتها مخلصة للعهد، على سنوات شباب أنفقتها تعمل بلا مقابل لم تدرك فيها أن عهود المحبة أيضاً تتلاشى، وأن للنهايات أسباباً كثيرة لا نعرفها ولا نأمنها.

عائشة ابنتك، وأختي، وخالته.. هي كل سيدة قضت عمرها موظفة باسم زوجة، ولقب أم، هذه الوظيفة الأصعب التي لم يكفل حقها قانون عمل ولم يؤطر وصفها قانون موارد بشرية، هذه الوظيفة التي تمنح أحدهم الحق ليستهلك شبابها، ويلتهم وقتها، وينعم بعطائها على مدار الساعة.. بغير شكر ولا ثناء ولا تقدير.. ثم يتركها ليوظف أخرى.. نهاية خدمتها دراهم معدودة، ومحرومة هي من شهادة التقدير.

قبلنا أن تكون المرأة شريكاً لنا في كل شيء، رضينا أن تحجز لنا تذاكر السفر وأن تخطط لرحلات العمل وأن تراجع الوثائق والصكوك، فلماذا لا نرضى لها بحصة مما تجنيه هذه الشراكة؟ لماذا لا نكفل لها جزءاً عادلاً من الأرباح؟ نصف أو ثلث أو ربع؟ لماذا نتركها ذاهلة تطرق أبواب الجهات الحكومية للمساعدة وثروة شريكها السابق تفوق ما يستطيع عدّه؟ ولماذا يغيب الإنصاف عندما تكون هي الشريك؟

KhaledAlKamda@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر