أبواب

علامة مبشرة

يوسف ضمرة

180 رواية عربية قدمتها دور النشر في العالم العربي، للفوز بجائزة البوكر العربية، وهذا العدد لا يشمل ما أصدرته دور النشر العربية من روايات، بل أفضلها بحسب تقديرات الناشرين، أي أننا في العالم العربي، ننتج سنوياً مئات الروايات، عدا القصة والشعر والمسرح والنقد والفنون الأخرى، لكن اللافت هو أن دار النشر لا تطبع عادة أكثر من 1000 نسخة في معظم الحالات، ولا تقفز إلى 3000 إلا لبضعة كتاب، يمكن اعتبارهم نجوماً في عالم الأدب.

ندرك تماماً أن المرأة التي قفزت إلى الأمام في العقدين الأخيرين، لاتزال تمتلك طاقة لم تفجرها بعد تماماً في ظل أجنحة الثقافة الأبوية، التي لم ينجُ منها كثير من الكتاب أنفسهم.


من الصعب على المرأة التي تُلقى على عاتقها أعباء إضافية في الأسرة والمنزل، أن تسرق وقتاً كافياً للتفكير في الكتابة، فما بالنا حين أصبحت المرأة في البيئات الفقيرة عاملة.

ضمت القائمة الطويلة هذا العام خمس روايات لكاتبات، وهو رقم لافت أيضاً، وإذا كنا «شخصياً» لا نعرف سوى روائية واحدة منهن، فهذا ليس مؤشراً صارخاً إلى رداءة الأعمال الأخرى.

ندرك تماماً أن المرأة التي قفزت إلى الأمام في العقدين الأخيرين، لاتزال تمتلك طاقة لم تفجرها بعد تماماً في ظل أجنحة الثقافة الأبوية، التي لم ينج منها كثير من الكتاب أنفسهم، فكيف بعامة الناس؟ وندرك أنها تحارب على جبهتين: الأولى هي جبهة الصراع مع القوانين القديمة «الذكورية»، التي تمس حياتها اليومية، وتفاصيلها في المنزل والأسرة والشارع والوظيفة. أما الجبهة الثانية، فتتمثل في التماهي الذي يفرضه القارئ بين الكتابة وصاحبتها، وهو أمر يجعل الكثيرات يكتمن الكثير مما لديهن، خوفاً أو حذراً أو تحسباً لاتهامات شخصية، أو بعض الظنون في أحسن الأحوال!

لا أحد ينكر تميز بعض الكاتبات العربيات من قبل، ولا أحد في استطاعته التنكر لإبداعات حديثة، لكن هذا كله لايزال محل استفهام، فالكتابة نفسها عن ظاهرة «الشيوع» تعد أمراً غريباً، إذ ينبغي لنا في ما لو كانت الحال طبيعية تماماً، ألا نلتفت إلى هذا الأمر، ونكتب عنه، بوصفه ظاهرة لافتة، لكننا ندرك أن الحال ليست طبيعية بعد، وأرجو ألا تكون الكتابة عنها إسهاماً في تكريس هذه الحال.

لكن ما يلفت أكثر هو أن تقييم إبداعات المرأة العربية، لا يرتقي إلى حد كبير، ما لم يكن الناقد رجلاً، فالناقدات العربيات قليلات أو شحيحات، إن جاز التعبير، وهن على الرغم من ذيوع أسماء بعضهن، إلا أننا لا نلمس أثراً كبيراً لكتاباتهن في المشهد الأدبي العربي، بل يمكن القول إن اسماً كفريدة النقاش قد اختفى تماماً بكل إنجازه النقدي. ولم يتم الالتفات الحقيقي لرضوى عاشور إلا كروائية، على الرغم من إسهاماتها المتميزة في النقد، ومن النادر أن نعثر على اسم كاتبة في لجان التحكيم التي تمنح الجوائز الأدبية. وفي حال كهذه، نجد الكاتبة العربية معنية بنقد الرجل العربي، أكثر من عنايتها بنقد المرأة، وهي سمة مشتركة بين الكاتبات والكتاب أيضاً، حيث يزهو الكاتب والكاتبة بمقدمات نقدية، أو بكلمات مقتضبة على الغلاف لكاتب ذائع الصيت، ولو لم يكن ناقداً.

لكن سؤالاً أساسياً يلح علينا، وهو: هل أنتجت البيئات الاقتصادية الرثة في العالم العرب كاتبات وشاعرات؟ وهل هذه الظاهرة مشتركة بيننا وبين المجتمعات الأخرى حول العالم؟ من الصعب على المرأة التي تُلقى على عاتقها أعباء إضافية في الأسرة والمنزل، أن تسرق وقتاً كافياً للتفكير في الكتابة، فما بالنا حين أصبحت المرأة في البيئات الفقيرة عاملة، واحتفظت بتلك الأعباء نفسها؟

خمس روائيات عربيات يعد علامة مبشرة، لكنها بحاجة إلى منحها مقداراً أكبر من الاهتمام، وعلى الرجل دور أساسي في هذا السياق.

damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر