كل جمعة

كيف ننحاز في الحرب على الإرهاب؟

باسل رفايعة

الأمور تتجه إلى الحسم في الموقف العربي العام من الحرب على الإرهاب الديني، الذي يأخذ بدوره مستوى متقدماً من الوضوح في تحديد معركته وأهدافها وأحلامها، ويرتكب لأجل ذلك جرائم ضد الإنسانية، بما يحرج المترددين والمستترين والمتذرعين بكراهية أميركا والغرب.

«ليس هنالك دين، أو عقيدة، أو دافع إنساني يجعل هذا التوحش مشروعاً وشأناً يمكن الاختلاف عليه بين البشر».

الدول العربية في صميم الحرب، والمجتمع العربي في ذروة الانقسام، والمؤثرات الثقافية والذهنية كثيرة: أولها الهيمنة المتمكنة لتيارات الإسلام السياسي على الرأي العام عبر المؤسسات الخيرية والهياكل النقابية والتطوعية. وكل ذلك يستفيد من طابع التدين والتقاليد المحافظة في المجتمع العربي، وثانيها المشاعر المرتبطة بالقضية الفلسطينية، والعلاقة الوثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وثالثاً: الخداع الذي تمارسه «القواعد» و«الدواعش» على العامة بفقرهم وإحباطهم، حينما توهمهم بأن الدولة الإسلامية قادمة، وما همّ إن كانت قائمة على الذبح والاغتصاب والسبي ونهب البيوت واستعباد الأطفال.

أيضاً، الموقف من الأنظمة العربية حاضر في خلفيات الانقسام. كثيرون يريدون أن تتجه الطائرات العربية لتدمير إسرائيل، شرطاً لتأييد الحرب على «داعش» وأخواتها، ولا يهمهم أيضاً أن مثل ذلك أمر يكاد يكون مستحيلاً، مع طغيان التأثير الإسرائيلي على عواصم صناعة القرارات والمصائر في العالم.

كيف ننحاز في هذه الحرب؟ هذا أكثر أهمية وتحدياً للمزاج العربي، بكل تدينه وموروثه ويأسه. منطق الحياة، لا الانتحار، يقول إن علينا أن نقرأ ما تفعله بِنَا عصابات من الشذاذ والقتلة، أي ما ترتكب من فظاعات وهمجية، ثم نسأل أنفسنا بشجاعة: هل ما يقترفه المجرمون ينتمي إلى الإسلام؟ أم إلى التوحش والظلام؟ هل يجب ترك هؤلاء ليواصلوا شذوذهم، أم يجب على الدول والمجتمعات أن تحاربهم بكل قوة وعقل؟

يسهل الانحياز حينما نجيب عن هذه الأسئلة، وليس مطلوباً أن نتنازل عن مواقف أخرى تتعلق بالتأثيرات والتفاصيل كافة، التي تجعل كثيرين مترددين في الموقف تجاه الحرب على الإرهاب.

ثم لننظر إلى مصالحنا بعيون شديدة الاتساع. الإرهاب يسعى إلى دولة إرهابية بالضرورة. هو لم يخفِ رؤيته للصراع، ولا أهدافه، وفي كل مكان تمكن فيه، أمعن في القتل والإجرام والسرقة. يقتل الشيعة والسنة والمسيحيين والعرب والكرد. لنتذكر أنه يقتل عرباً مثلنا، ويغتصب أطفالاً مثل أطفالنا، ويدهم بيوتاً مثل بيوتنا. ما المصلحة في تأييد الإرهاب؟ ما الذي يجمع رجلاً يكد نهاره لإطعام عائلته، ويخاف على بناته وأولاده من هبوط الأدراج، مع رجال متوحشين يحللون لأنفسهم قتل المسلمين واغتصاب بناتهم القاصرات؟

ليس هنالك دين، أو عقيدة، أو دافع إنساني يجعل هذا التوحش مشروعاً وشأناً يمكن الاختلاف عليه بين البشر. الإصغاء للعقل والضمير والمصلحة هو أفضل أشكال الحرب الاستباقية على الإرهاب، حينما تصغي المجتمعات إلى صوت الأمن والاستقرار، وحينما تدرك أن تمدد دولة الأشرار سيجعل كل واحد منا في نوبة حراسة طويلة على حياته، وعلى بيته، وعلى أطفاله في طريقهم للمدارس، وفي لعبهم ونومهم وضحكاتهم.

كل هذا الضجيج يجب أن يأخذنا إلى الإصغاء التام لما يعبث بوجودنا، فالتهديد حقيقي وقريب ومرعب. يجب ألا نصدق أن حفنة من اللصوص يجاهدون في معركة من أجل الإسلام، وألا نصدق أنهم قادرون على أي نصر، مهما صغر. ستظل قدرتهم محصورة في الإجرام والبشاعة. ويجب ألا نصغي لأنصارهم الذين يختبؤون بيننا، أعني المتشددين في تنظيمات الإسلام السياسي، فهؤلاء يختلفون مع «القواعد» و«الدواعش» في التفاصيل، لكنهم مثلهم يريدون دولة للخراب والفوضى.

لنسارع إلى تنظيف عيوننا وعقولنا من قذى الإرهاب، وإلا فنحن ماضون إلى عماء كثيف، لن يقودنا فيه أحد.

brafayh@ey.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر