مزاح.. ورماح

المرة الأولى.. والأخيرة!

أحمد حسن الزعبي

شمّ رائحة القهوة المغلية على النار، فتوسعت فتحتا أنفه وهو في غرفته يقرأ بعض الصحف، فهو يقضي هذا الأسبوع كإجازة قسرية، فأمين الحزب في اجتماع عربي، وعليه فلا توجد أي نشاطات على المستوى المحلي.

دخلت زوجته وبيدها فنجان قهوة وكوب ماء، طوى الرجل الجريدة جانباً ثم سألها: أين فنجانك؟! المرأة بخوف وتردد: اعتقدت أنك مشغول.. صاح منسق الحزب المُجاز: شغل ماذا يا إنصاف! أحضري فنجانك حالاً، فهرولت المرأة إلى المطبخ بسرور بالغ وأحضرت فنجانها، وعقدت شالها في منتصف رأسها وجلست على الكرسي المقابل، قال الرجل لزوجته: بتعرفي يا إنصاف! الشركات، المؤسسات، الجمعيات، الحكومات، حتى الأحزاب بين الفترة والأخرى، تراجع أداءها لتصحح مسار عملها، أخذ رشفة ثم تابع: تعرف أين أخطأتْ وأين أصابتْ.. لتتلافي الأولى وتعززّ الثانية في المستقبل.

بقيت إنصاف تفتح وتغمض عينيها ببلاهة فريدة، تمسك بالفنجان بيمينها والصحن بيسارها وهي تهزّ رأسها من دون أن تعرف ماذا يريد زوجها نادر الكلام من هذا الكلام النادر! ثم تابع بعد أن لعق ما سال على شفته السفلى من قهوة: وتعرفي عملي كمنسّق حزب، ومسؤول عن جودة الصوت بالميكروفونات وأسعار المطبوعات وبطاقات التهنئة وحجز القاعات، علّمني أن أكون ديمقراطياً إلى أبعد حد، أراجع أدائي وأقوّم أخطائي وأصوّب ما اعوججت عنه.. رفعت الزوجة الطيبة رأسها إلى أعلى وقالت متوسّلة لله: من فوق سابع سما يخليلي إياك يا رب!

أخذ رشفة ثانية وعاد للحديث: أكثر من 20 سنة وإحنا متجوزين، أكثر من 20 سنة وأنا أجد قمصاني مكوية، بناطيلي معلقة، أحذيتي ملمعة، غدائي في موعده وأقراص علاجي قرب سرير نومي.. الغريب أنك لم تنتقديني مرّة واحدة! وكوني منسق حزب ديمقراطي ومسؤول عن جودة الصوت بالميكروفونات وأسعار المطبوعات وحجز القاعات.. أحب أن تصارحيني بأخطائي، لا أريد أن يتحوّل البيت إلى نظام عربي وزعيم خالد ومقدّس.. انتقديني وبالغي في القسوة عليّ، فروحي تدرّبت طويلاً على تقبل النقد، على العكس، كلما انتقدتني أكثر قبّلت يديك أكثر لأنك عرفتني بأخطائي.. وجعلتني أقرب للكمال، هيا قولي ما ترينه عيباً فيّ لأصلّحه فوراً هيا.. وضعت الزوجة الفنجان جانباً، وقالت: لا والله طوال 20 عاماً لم أجد فيك عيباً واحداً، قاطعها الرجل: أعرف اعرف، أنا أسألك ما هي عيوبي.. هيا قولي! أنا منسق حزب ديمقراطي وأتقبل كل العيوب التي في الزوجة بطوفان من السعادة: صدقني لم أجد بك صفة ناقصة، الزوج وبإصرار عجيب: أستغفر الله، الكمال لله، قولي ما عيوبي بسرعة، فقالت له على سبيل المشاركة ليس إلا: أبداً لكن لدي ملاحظة بسيطة، الزوج تزحزح عن الكرسي ثم قال بعينين مفتوحتين: ها.. خليني أسمع! الزوجة: بدلتك الزرقاء بتاخذ العقل وبتجنن، بس ليش بتلبس عليها «جورب برتقالي» محزّز «ليموني» اللون، أبداً مش متناسق! احمرّ وجه الرجل، تعرّق، ضرب بيده على الطاولة طار الفنجان بسقف الغرفة.

حالة الزوجة الآن: تفتت في الساق اليمنى، صمم تام، انحراف في الفك السفلي.. هذا وقد وجدت الزوجة الجديدة أربع أسنان من أسنان إنصاف في كيس «المكنسة الكهربائية» بعد شهرين من الحادثة!

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر