5 دقائق

«وهبي» صانع السعادة

الدكتور علاء جراد

بمجرد أن تعلن الساعة تمام التاسعة يجلس محمد وهبي أمام الكمبيوتر لكي يتحدث مع أولاده، ويتأكد من أنهم أنهوا واجباتهم، واستعدوا لليوم التالي، وليطمئن على أنهم جميعاً بخير. هو يعمل في دبي، وأولاده يعيشون في الاسكندرية، وقد كرّس وهبي كل وقته لهؤلاء الأبناء، وليس وقته فقط، بل جزءاً كبيراً من دخله. هؤلاء الأبناء يزيد عددهم يوماً بعد يوم، وقد تضاعف خلال العامين الماضيين، ويحرص وهبي على أن يذهبوا إلى مدارس خاصة، مثلهم مثل الآخرين، وأن يختاروا ملابسهم بأنفسهم. إنهم أطفال قسا عليهم الزمن، وتيتموا، وكان حلم وهبي دائماً أن يقدم شيئاً إلى هؤلاء الأطفال، خصوصاً بعد أن سمعنا ورأينا المعاملة غير الآدمية في بعض دور رعاية الأيتام.

«دار أيتام أقل ما يقال عنها أنها دار نموذجية، ليس فقط من حيث النظافة والأمن والأمان، بل من حيث الرقي والاحترام».

لقد قرر وهبي أن يخرج حلمه من حيز التفكير والأمنيات إلى حيز التنفيذ، فحصل على إجازة من عمله، وبمساعدة أهل الخير، وبمثابرته، استطاع الحصول على كل الموافقات والتصاريح اللازمة لتأسيس دار أيتام، أقل ما يقال عنها أنها دار نموذجية، ليس فقط من حيث النظافة والأمن والأمان، بل من حيث الرقي والاحترام، فقد وضع وهبي ميثاقاً يلتزم به جميع المشرفين والعاملين في الدار، وعليهم قبل ذلك أن يخضعوا لسلسلة من البرامج التدريبية، وبأساليب مختلفة، وتتم مراقبة أدائهم، وتقييمهم بصفة مستمرة، أما من يرغب من أهل الخير في مساعدة أطفال الدار، فعليه أن يقدم المساعدة بطريقة لائقة، حيث يحرص على أن يختار الأطفال ملابسهم بأنفسهم، وعلى حسب ذوقهم. لقد أصبحت هذه الدار، التي تقع في إحدى ضواحي مدينة الإسكندرية بمصر، قصة نجاح، ويتمتع أطفالها بأعلى درجات الصحة النفسية والبدنية، بعد أن قاسوا وعاشوا أحداثاً في أماكن أخرى، يصعب حتى ذكرها هنا.

هناك جانب آخر في شخصية هذا الرجل يجعله يستحق لقب «صانع السعادة»، ليس فقط لهؤلاء الأطفال، بل لكل من يعرفه، إذ يتعامل مع الجميع بكل تواضع واحترام، ويلجأ إليه كل أصدقائه للمشورة والرأي، فهو دائماً يرى الأمور بمنظار الموضوعية، كما أن لديه بعد نظر وقراءة عميقة للواقع، وقد يرجع ذلك إلى خبرته السابقة في المجال الشرطي، ولا يتردد في إيثار الآخرين على نفسه، لذلك تجده دائماً في راحة وسلام نفسي، لا يحمل أية مشاعر سلبية لأحد، وفي الوقت نفسه لا يتوقع شيئاً من أحد. هنيئاً له أبناؤه الذين أحبوه واتخذوه أباً لهم، وهنيئاً له العمل العظيم، فكفالة اليتيم أحد أبواب الجنة، وهنيئاً لأصدقائه به، وأتشرف بأنني أحد هؤلاء الأصدقاء.

Alaa_Garad@

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر