مزاح.. ورماح

«الهندرة..!!»

عبدالله الشويخ

#بالعربي..

كان وسماً جميلاً في الـ18 من هذا الشهر، جعل الجميع يلتفت إلى جزء من جماليات اللغة العربية، إلى جزء من إعجازها الذي يستبعد كثيرون أن يكون بشرياً خالصاً، إلى صلابتها في وجه حملات التشويه ودعوات المشروعات على غرار «ويكيبيديا بالمصري»، إلى حتى جمال حرفها، وما أدراك ما هو جمال حرف العربية؟! هل يمكنك تخيل لوحة مكتوبة بخط اليد بلغة غيرها لتعلق على الجدران، سيكون الأمر سخيفاً إذا أردت رأيي، فحروف العربية تتميز بـ«انحناءات» و«انتفاخات» و«استدارات»، ونقاط تشبه حبات الخال لا توجد في حروف أي لغة أخرى!

على أن مشكلات وتحديات اللغة العربية تماماً كمشكلات الناطقين بها يبدو أنها لن تنتهي، خصوصاً في ظل العولمة وولوج الكثير من المصطلحات الغربية إلى مجتمعنا المنفتح على الآخر، لدرجة أن البطانية انقلبت، فأصبح لفرط انفتاحه على الآخرين، مغلقاً أمام ذوي القربى واليتامى والمساكين! ومن أبرز تلك المشكلات قضية تعريب المصطلحات، فبينما يكاد مصطلح مثل «الرائي» لا يجد من يلتفت إليه أو يستخدمه عوضاً عن «التلفزيون»، فإن مصطلحاً كـ«تغريدة» ينتشر بشكل أكبر بين الجيل الجديد أكثر من «تويتة»، إذاً هناك ذائقة شعبية إذا صح التعبير لا تكتفي بما ينتج عن بيروقراطية ديناصورات اللغة في المجمعات العالية في أبراجها المنعزلة، وإنما يتطور ويخترع ما يراه مناسباً ويشتقه، وانظر إلى حوار طفلين دون الخامسة بالعربية الفصحى، إن استطعت أن تقنعهما ستضحك كثيراً وتستمع إلى اشتقاقات فطرية لم يلقنها لهم أحد!

المصطلحات التي أصبحت متداولة كثيراً خصوصاً في ما يتعلق بالشأن الإداري «ثقيلة» الدم جداً، وتحس بأن إيقاعها يشبه نوعاً من المسبات أو العبارات الخادشة للحياء، حلفتك بالله، ما أول ما تبادر إلى ذهنك حينما قرأت مصطلح الهندرة؟! إذا كنت قد طلبتُ منك وضعه في جملة قبل أن تعرف معناه، فحتماً كنت ستقول: «يابن الهندرة»، أو «فليذهب أولئك الملاعين إلى الهندرة»، أو ربما «لأضعن هندرتي في حلجك»، بينما الحقيقة أن «الهندرة» هي الترجمة العبقرية لكلمة re-engineering أو عملية الهندسة العكسية إذا شئت.

«الأتمتة» مصطلح آخر نضطر إلى بلعه وهو ترجمة أخرى للـAutomation، رغم أن موسيقاه لا تبعد عن كونه نوعاً من الأمراض للتعبير عن صعوبة النطق، أو ربما حبوب هلوسة، أما قنبلة عباقرة اللغة الأخيرة، فهي مصطلح «الفدبكة»، وبالطبع ليس مصطلحاً توأماً للفذلكة، وإن كان مخترعه قد تفذلك كثيراً، لكنه ترجمة مصطلح الـFeedback، لا داعي لأن تشتمني، أقسم بأنهم يستخدمونه.

مصطلحات لا تراعي إمكانية الفهم والقبول لدى العربي مرهف الأنف والأذن واللسان، لن تجد قبولاً لدى المجتمع إطلاقاً، وستبقى في أدراج القواميس مع الرائي، وتأبط شراً، وسقط اللوى بين الدخول فحومل!

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر