5 دقائق

«بوية» برعاية أسرية

خالد الكمدة

عندما هاجمتنا وبغير مقدمات عادات دخيلة وثقافة مشوهة تلقينا الصدمة، وقبلنا الاعتراف بخسائر المباغتة، فلكل نجاح ضريبة، قبولها وتجاوزها هو السبيل الوحيدة لمواصلة النجاح، ولكن دون استساغتها وتقبلها. أن تصاب بفيروس يلقيك محموماً في الفراش أياماً عدة بعد شهر من العمل الشاق، فهذا طبيعي، ولكن أن يصبح المرض زائراً مقبولاً في حياتك، لا ترفضه ولا تقاومه بل وتتعايش معه، فهذا انحدار، ليس على مستوى قوتك وتماسكك فحسب بل على مستوى تطورك الفكري الذي بات يقبل المرض كجزء من حياة العمل الحافلة، ولا ينظر إليه كدخيل ينخر في جسد النجاح والاستقرار.

«كانت بوصلة الفتاة تضيع أمام تهميش أسري أو تمييز لإخوة ذكور أو تعنيف واضطهاد للأم، واليوم أصبحت الفتاة أكثر تميزاً وأثرة لدى أهلها من نصف رزمة من الذكور».

عندما تسللت بخبث، قبل سنوات عدة، مظاهر تشبّه الفتيات بالشباب إلى مجتمعنا، كانت حينها ممارسات غير مدركة الأبعاد والأسباب، غير محسوبة النتائج، لم تستشعر الأسرة خطرها ولم تعي الفتاة عاقبتها. اليوم وبعد سنوات قليلة في عمر الزمن، كثيرة في حجم التطور، باتت الفتيات أكثر وعياً بكل تفاصيل الحكاية، وبات الانغماس في المرض بإصرار وتصميم، وبرعاية أسرية.

قبل سنوات، كانت بوصلة الفتاة تضيع أمام تهميش أسري أو تمييز لإخوة ذكور أو تعنيف واضطهاد للأم، واليوم أصبحت الفتاة أكثر تميزاً وأثرة لدى أهلها من نصف رزمة من الذكور، وصار عندها منابر وقنوات لتعبر عن نفسها وتألقها ونجاحها وأنوثتها. اليوم، نضجت التجربة المريرة ورأينا مغبتها على مستقبل الفتاة، على روحها التي اضمحلت، وتطورها الذي حوصر، وأنوثتها التي سرقت، وعلى أمومتها التي ألغيت، فلماذا انحراف البوصلة؟

عندما هاجمتنا ظاهرة «البويات»، لم يكن لدى الأهل قدرة على قراءة المتغيرات أو استنباط النتائج، وعبر فجوات أسرية تسللت الظاهرة إلى مجتمعنا، اليوم بات الأهل أكثر وعياً بمكامن الخلل في علاقات الصداقة الأنثوية، أكثر معرفة بمداخل الغواية التي تهوي بمستقبل الفتاة إلى غير قاع، وأعظم خوفاً على مجتمعنا الذي يولد ويكبر بين يديها وعلى حجرها، فلماذا لا نعمل على سد الخلل؟

كيف تصطحب أم ابنتها إلى العيادة كلما أصابها رشح أو حساسية وتتركها فريسة لما هو أخطر، استسلاماً واستحباباً لأن يكون لابنتها «ستايل»، تعجبها قصة شعر قصيرة تتمرد على الضفائر، ويبهجها بنطال بخصر منخفض يتحدى الجلابية. كيف يملأ الأب حساب الفتاة البنكي بألوف الدراهم ولا يأبه لغيابها عن البيت ساعات طوالاً ويلتقيها على بابه وقد غادرتها البراءة.. ولا يأبه، فصفقاته تسير على ما يرام، ولن يؤثر في سمعته علاقتها بفتاة.

كيف يستسيغ مجتمع متماسك محب وطامح للتميز أن يتسلل نخر خطير إلى زهراته وأن يتقبل فيهن وبينهن وجوده؟

@KhaledAlKamda

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر