5 دقائق

لغة الضاد

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

تتفاخر الأمم بلغاتها، وقد لا يكون لها مخزون ثقافي أو تشريعي، أو جرس يطرب أو أسلوب يعجب، لكنه الحفاظ على القومية، والاعتزاز بالتراث.

أما اللغة العربية فلها من مقومات الحفاظ عليها ما لا يوجد مثله في أي لغة من لغات العالم، ففضلاً عن كونها لغة القرآن الكريم الذي نزل بلسان عربي مبين، وهو أفضل الكتب بياناً، وأشملها تبياناً، وهو الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ففضلاً عن ذلك الشرف الذي حظيت به اللغة العربية؛ فإنها لغة العلم الذي انتشر في الخافقين، ولغة الجمال النطقي والخطي، ولغة الأدب البليغ الذي لم تعرف البشرية أدباً مثله بلاغة وتفنناً؛ نحواً وصرفاً ومعاني وبياناً وبديعاً وعروضاً وخطاً وإملاءً.. هي لغة الشعر الراقي والبيان السحري، هي لغة المجد الذي عرفته البشرية يوم أن كان الإسلام لا تغيب عنه الشمس في كيان الدولة، وإن كان اليوم كذلك في كيان النوع الإنساني.

«كان الأجدر أن تكون لغتنا هي لغة التخاطب مع القريب والبعيد لنحمل الغير على نشر هذه الثقافة».

ومع كل هذه المقومات نرى أنها غدت ــ مع الأسف الشديد ــ غريبة في بيئتها، فضلاً عن غيرها، فقد أصبح أهلوها يهجرونها ويستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، ظناً أن ذلك توسع في الثقافة، وزيادة في الحضارة، وإن كان في ذلك جانب من الصواب، إلا أنه جناية على الهوية العربية والوطنية، وكان الأجدر أن تكون لغتنا هي لغة التخاطب مع القريب والبعيد، لنحمل الغير على نشر هذه الثقافة، وإفادتهم من معينها العذب وأسلوبها الراقي، فذلك من المحبة للغير والوفاء للغة.

هذا هو وضع لغتنا في النطق، أما لغتنا في النحو والصرف الذي هو روحها؛ إذْ به تعرف دلائلها وإشاراتها ومعانيها الكثيرة، وبه يحصل الطرب والعجب؛ فإنه لم يعد يعرف إلا عند أهل الاختصاص، وهذا يعتبر كارثة في اللغة، ولذلك فإن الناس يقرؤون ولا يفهمون، ويسمعون ولا يطربون، وقد كان الخلل في الإعراب سبباً لوضع علم النحو، الذي أصبح من أنبل العلوم وأشرفها، كما قال بعضهم:

وإذا طلبت من العلوم أجلَّها ... فأجلُّها منها مقيمُ الألْسُن

والواجب أن يكون حفاظنا على النحو موازياً لحفاظنا على اللغة، لأن اللحن في الكلام أقبح من الجدري في الوجه، كما قاله بعضهم، وكما يحس به كل عارف بالنحو، فلا يجوز أن نقبح لغتنا الجميلة باللحن الفاضح، وتلافياً لذلك لابد من جعل لغتنا الإعلامية على الأقل معربة، حتى يكون الإعراب سليقياً، إن عسر على الناس حفظه علماً، على أن تبسيط قواعده من أوجب واجبات المناهج الدراسية، فعلى واضعها عبء ذلك.. والله يتولانا بهداه.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر