كل يوم

الأسلوب العنقودي في «تويتر»

سامي الريامي

وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً «تويتر»، كانت الوسيلة المفضلة لأعضاء التنظيم السري لـ«الإخوان المسلمين»، الذين كشفتهم السلطات الإماراتية، وقدمتهم لاحقاً إلى المحاكمة، وحاولوا استخدامها في تشكيل رأي عام معارض، وبثِّ الفتنة والقلاقل في المجتمع الآمن، ومازلت أذكر جيداً ذلك التسجيل الذي عرضته النيابة العامة في المحكمة أثناء محاكمات أعضاء التنظيم، وفيه يبدو جلياً كيفية التخطيط لاستخدام «تويتر» لهذا الغرض.

في مصر يدعون إلى تظاهرات واعتصامات، وينشرون ذلك، وفي المكان والزمان المحددين تجد أعداد المتظاهرين لا تتجاوز المنظمين أنفسهم.

التسجيل كان لاجتماع اللجنة المشكلة من أعضاء التنظيم، لبدء توجيه الرأي العام، والاجتماع مخصص لبدء التحركات عبر «تويتر» تحديداً، والخطة العامة كانت البدء بطرح تساؤلات «ملغومة»، تبدو ظاهرياً عادية، لا يخالف عليها القانون، لكنها تخلق شعوراً عاماً بالاستياء والتذمر من الحكومة، وذلك كخطوة أولى لخلق حالة عدم رضا شعبيّ، دون التطرق إلى أي شأن سياسي، أو بلهجة تشمّ منها رائحة المعارضة، لأن ذلك سيأتي في مرحلة ثانية، بعد أن يتم تهيأة الناس لها، وتدريجياً يتم التصعيد من الحديث حول الخدمات، إلى الحديث عن الحكومة، ومن ثم الوزراء، وأخيراً سياسات الدولة والقيادة!

هذا الأسلوب يُعرف بالأسلوب العنقودي، وهو شبيه بعمل القنبلة العنقودية المحرّمة دولياً، فالتنظيم يختلق شائعات وأخباراً مضلّلة أو تساؤلات، ويوجّه الناس بالاتجاه الذي يريد، عبر مجموعة من الحسابات المزيّفة بأسماء وهمية متخفية، ثم تتلقف هذه الشائعات مجموعات أخرى لتنشرها وتفجرها في كل اتجاه، وفي كل مكان، ثم تتلقفها مجموعات أخرى وتزيد انتشارها، وهنا يتم استدراج مجموعات أخرى من خارج التنظيم، تدخل وتشارك وتسهم في النشر، بجهل ومن دون علم بخبايا الأمر، لأنهم بشكل عام «دهماء»، أو بالأحرى «ببغاوات» يحبون ترديد كل ما هو سلبي، وينشرونه دون أن يكلفوا أنفسهم عناء القراءة أو التفكير!

أسلوب خطير، ومحكم، ومنظّم، لكنه لم ينجح هنا في الإمارات، ولم يستطع «الإخوان» من خلاله، رغم كل ما بذلوه من جهد وتخطيط وتدبير، أن يشكلوا رأياً عاماً معارضاً لأسباب كثيرة، لكن هناك سبباً جوهرياً أدى إلى فشلهم هنا، وهو السبب ذاته الذي يفشلون فيه أسبوعياً في مصر الآن، وهو أنهم لم يدركوا أن «تويتر» لا يمكن أن يشكل رأياً عامّاً حقيقياً، فهو لا يعتبر مقياساً «علمياً» للرأي العام، مهما انخدع هؤلاء وغيرهم في حجم التغريدات المؤيدة لهم، لأنها في نهاية الأمر لا تشكل نسبة تذكر من عدد المواطنين أو من سكان الدولة مهما كان عددها!

في مصر يدعون إلى تظاهرات واعتصامات، وينشرون ذلك، وفي المكان والزمان المحددين تجد أعداد المتظاهرين لا تتجاوز المنظمين أنفسهم، وهي قليلة وزهيدة، ما يعني أن الرأي العام الحقيقي لم يتأثر بهم، ولا بتغريداتهم.

هؤلاء ينطبق عليهم المثل القائل «يكذبون ويصدقون أنفسهم»، ويعتقدون أن من ينشر أكثر على «تويتر»، هو الذي يسيطر ويوجّه الرأي العام، وهذه كذبة أخرى، نعم يستطيعون توجيه «الشارع التويتري»، لكنه يبقى شارعاً افتراضياً مملوءاً بالدهماء، الذين لا تأثير لهم في الحياة العامة، فوجدوا ضالتهم في «تويتر»، حيث اللامسؤولية، وحيث الفوضى، وحيث يختلط الحابل بالنابل، لكن هذا المجال الافتراضي بعيد كل البعد عن تشكيل رأي عامّ حقيقي وفاعل على أرض الواقع، لذلك فشلوا في الإمارات، وسيفشلون مجدداً، إن رجعوا إلى الأسلوب نفسه!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر