5 دقائق

«شيزوفرينيا» التواصل الاجتماعي

الدكتور علاء جراد

منذ أن انتشرت وسائل التواصل الاجتماعي، التي اعتبرها أحد أسباب «الانعزال» الاجتماعي وليس التواصل، فإننا نرى كل يوم أنماطاً غريبة من السلوكيات لدينا نحن العرب، فمثلاً يقوم الكثير بعمل مجموعات أو منتديات «غروبات» لنشر معلومات حول موضوع معين، لكن دائماً وأبداً يحيد أعضاء المنتدى أو المجموعة عن الهدف، فمثلاً مجموعة للحديث عن ذوي الإعاقة تتحول، بقدرة قادر، إلى مجموعة دينية، تناقش أموراً عقائدية ومذهبية، وتفاصيل في العبادات، ثم تحتدم الخلافات إلى درجة السباب والتجريح. لقد حاولت مراراً الاشتراك في «غروبات» بدت أنها متخصصة ومهنية من الاسم، لكن سرعان ما اكتشفت الانفصال الكامل عن هدف المجموعة وتخصصها، وحتى الموضوعات القليلة المنشورة ذات الصلة تعتبر سطحية، كما أنها مقتبسة حرفياً، من دون الإشارة إلى المصدر.

أستاذ جامعي يرسل «بوستات» عن القيم والأخلاق، والحقيقة أن سلوكياته مع الطلاب تحتاج إلى تحقيق قانوني.

أما الـ«واتس أب» فحدّث ولا حرج عن سيل الرسائل اليومي الذي يصلنا، فتارة قصص عن الجن، وتارة فيديوهات قطع الرؤوس، وتارة عن ستار أكاديمي، والكثير من الرسائل الدينية التي تشتمل على قصص وأحاديث لا يعلم مصدرها إلا الله، هذا بخلاف الرسائل من نوعية «إن لم ترسلها إلى 10 أشخاص فستموت خلال سبعة أيام»، خصوصاً يوم الجمعة، وكأن ممارسة تعاليم الدين تقتصر على يوم الجمعة. العجيب أن معظم من يرسل هذه الرسائل بعيد كل البعد عن محتواها، بل يبدو أن لديه انفصاماً في الشخصية، فهذا أستاذ جامعي يرسل «بوستات» عن القيم والأخلاق، والحقيقة أن سلوكياته مع الطلاب تحتاج إلى تحقيق قانوني، وذلك موظف يتحدث عن الولاء الوظيفي، في حين أنه لا يجلس في مكتبه ربع ساعات العمل، ومدير موارد بشرية يتحدث عن مساعدة الموظفين وحقوقهم، لكن على أرض الواقع كل همه مساعدة صاحب العمل على تكبيل الموظفين بشروط مجحفة في العقود، وداعية يدعو إلى صلة الأرحام وهو في خصام وقطيعة مع أهله منذ أعوام.

ماذا يمكن أن نطلق على هذه الممارسات سوى الشيزوفرينيا؟ لا عجب ــ وهذا حالنا ــ أن تظهر تلك التنظيمات والجماعات المريبة التي شوهت ديننا وحضارتنا. كلنا مسؤولون، وعلينا ألا نأخذ المعلومة إلا من مصدرها، وألا نسكت عن تلك الممارسات التي تعكس حالة الشيزوفرينيا على مدار الساعة، ولنتذكر قول المولى عز وجل في سورة الرعد «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ»، فهل هناك أمل أن ينصلح حالنا، ونتعلم شيئاً يفيدنا، أو على الأقل أن نستخدم التكنولوجيا بطريقة لا تزعج الآخرين؟ اللهم اهدنا إلى الخير والرشاد.

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر