مزاح.. ورماح

شفافية بين الغيوم!

أحمد حسن الزعبي

كانت البنايات الأجمل في السابق تلك التي تحمل كتلاً خرسانية أكثر، فكلما كانت طويلة وسميكة الجدار، كانت أجود وأكثر إبهاراً، ثم مع تطوّر الهندسة المعمارية بدأ يتخلى المهندسون عن هذا الكم الكبير من الأسمنت والحديد واستبدال الزجاج للواجهات الطويلة وناطحات السحاب، ما يعطي جمالية أكثر وإنارة وراحة لسكان الطوابق العليا، المصاعد كذلك كانت عبارة عن صناديق حديدية بأزرار كهربائية تشبه الزنازين المتحركة، ثم تحوّلت الآن إلى «تلفريك» مصغر، غرف شفافة بواجهات زجاجية لامعة تأخذك برحلة قصيرة كلما جرّبت الركوب من أسفل البرج إلى أعلاه أو العكس، ثم انتقلت عدوى الصناعة الشفافة إلى المطاعم، والأجهزة الكهربائية، و«الملابس»، والكمبيوترات وغيرها، ولسان حال أنصار «الشفافية» يقول: إذا كنت أثق بمنتَجي لِمَ لا أتيح للآخرين رؤيته على طبيعته!

آخر صرعات «الشفافية» يجري الآن على أيدي تقنيين بريطانيين من مركز «سي بي آي» لابتكار أول طائرة شفّافة في العالم، بحيث يتيح ركوب الطائرة الجلوس وتناول الطعام وسط الغيوم دون أن يفصلك عنها حاجز أو ينهرك صوت مضيفة الطيران. يقول تقنيو هذه المركبة إن هذا النوع من الطائرات سيكون أخف وزناً وأقل استهلاكاً للوقود والهواء، وبالتالي ستنخفض أسعار التذاكر بالضرورة، مؤكدين أن كل شيء حولك وأنت في الطائرة شفاف، الغيوم، المسطحات المائية، الصحراء، البيوت المتناثرة، عروق الأرض الممتدة من الجفاف إلى الجفاف، أرضية الطائرة، الماتور، «صلعة» الكابتن، كل شيء مكشوف في الطائرة الشفّافة.

***

إذاً كما تلاحظون، بسبب ضمائرهم الشفافة انحازوا لكل شيء شفاف، بدءاً من قلم الحبر، «سلك» الكهرباء، المكوى، خلاط العصائر، المطعم، المصعد، البنايات، الطائرات، ومركبات الفضاء، ونحن من المحيط إلى الخليج مازلنا «نتفركش» في صناعة صندوق انتخابات «شفاف» واحد!

«فكلما انتخبنا زيد.. طلع لنا عبيد»!

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر