5 دقائق

من مَعين الإمام الشافعي

د.عبدالله الكمالي

الحديث عن الإمام الشافعي، رحمه الله، له رونق خاص، فهو أحد أئمة الدنيا، وأعطاه الله خصالاً قلّ أن تجتمع لأحد من الناس، وله من العبارات الرشيقة الجميلة الشيء الكثير، فهو أحد فرسان البلاغة والبيان، بل قيل عن كلامه: «كأن لسانه ينظم الدر»، وقد وقفتُ على كلمة جميلة للحافظ محمد بن حبان البستي يقول فيها: «وللشافعي، رحمة الله عليه، في كثرة عنايته بالسنن، وجمعه لها، وتفقهه فيها، وذبه عن حريمها وقمعه من خالفها، زعم أن الخبر إذا صح فهو قائل به، راجع عما تقدم من قوله في كتبه، وهذا مما ذكرناه في كتاب المبين أن للشافعي، رحمه الله، ثلاث كلمات ما تكلم بها أحد في الإسلام قبله ولا تفوه بها أحد بعده إلا والمأخذ فيها كان عنه، إحداها: ما وصفت، والثانية: ما ناظرت أحداً قط فأحببت أن يخطئ، والثالثة: وددت أن الناس تعلموا هذه الكتب ولم ينسبوها إلي»، انتهى كلام ابن حبان من صحيحه بشيء من التصرف، فانظروا رعاكم الله إلى روعة هذه الكلمات التي قيلت في الشافعي، وإلى جمال كلام الشافعي، رحمه الله، فالكلمة الأولى له تبين سعة علم وعقل هذا الحبر الجليل، فالتراجع عن الخطأ سمة النبلاء، ولا يتراجع عن الخطأ إلا من عرف أن رجوعه لن يزيده إلا رفعة عند الله وعند الخلق، والمكابرة في التمسك بالخطأ خُلق مرذول، فأحيانا قد يكون الصواب مع الطفل الصغير ويكون كلام والده قد جانب الصواب، فما أجمل أن يقول الوالد لولده الصغير: أنا أتراجع عن كلامي إلا كلامك، وليت من انخرط في الجماعات الحزبية يعود إلى صوابه ويضرب بكلام حزبه عرض الحائط ويتراجع عن حزبيته إلى التمسك بالجماعة والسمع والطاعة، فهذا التراجع دليل على تعظيم السنّة ومحبة صادقة للنبي، صلى الله عليه وسلم، والكلمة الثانية للإمام الشافعي تبين بجلاء واضح تواضع هذا الإمام وحسن أخلاقه، وليت من يكتب في مواقع التواصل الاجتماعي يتحلى بهذا الأدب الرفيع والخلق النبيل، فالشافعي من أساطين الحوار والمناظرة، ويستطيع إفحام خصمه بأيسر الطرق لغزارة علمه، ومع هذا يتمنى أن يكون الصواب مع خصمه، فانظروا رعاكم الله إلى جمال أخلاق هذا الإمام، والكلمة الثالثة فيها إنكار للذات كما يقال، فليس من الصواب أن نكثر من كلمة «أنا» فكم ترك بعض الأفاضل من آثار حسنة جميلة لا يعلمها عنهم إلا قلة من الناس، فما ضرهم عدم معرفة الناس بهم، فالرفعة بيد الله، ومن تواضع لله رفعه.

التراجع عن الخطأ سمة النبلاء، ولا يتراجع عن الخطأ إلا من عرف أن رجوعه لن يزيده إلا رفعة عند الله وعند الخلق.

مدير مشروع مكتوم لتحفيظ القرآن الكريم بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي

@alkamali11

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر