5 دقائق

اجتماع الكلمة

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

اجتماع الكلمة ووحدة الصف ولمّ الشمل، من أعظم عوامل النجاح، لتحقيق السِّلم والبناء والرفاء والقوة، فلم يزل الله تعالى يأمر به ويحض عليه، كما في قوله سبحانه:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}، وهو أمر للقادة والمقودين، بأن يكونوا كالبنيان المرصوص؛ ليتحقق بذلك التعاون على الحياة عمارةً ونفعاً، وحمايةً للأوطان من الأعداء ودفعاً، وإصلاحاً للدين شرعاً ووضعاً، وهذا ما يحرص عليه قادتنا أهل الرشاد والسداد، قادة الخليج الذين يمخرون على مركب واحد في لُجِّ الحضارة، في وقت تتلاطم الأمواج بغيرهم، فمنهم من يغرق ومنهم من يحرق، وسبب ذلك تلك الخلافات التي أول ما تكون فتِيَّة، ثم تشب فتعصف بالأخضر واليابس؛ لأن أهلها جعلوا الخلاف منهجاً، والشقاق أسلوباً.

إن الفرق المتكاثرة، هي التي تعصف بوحدة الأمم والشعوب، وتمزّق شملها.

إن الفرق المتكاثرة، هي التي تعصف بوحدة الأمم والشعوب، وتمزق شملها، وتكدر عيشها، وتذهب مُقدَّراتها، من غير استشعار للمسؤولية، ولا نصح للبرية، بل كل حزب بما لديهم فرحون، وسرعان ما يغدون جميعاً ترِحين، ثم لا ينفعهم ذلك التفرق والتشرذم والولاءات المقيتة والمشينة، بل الكل يعض أصابع الندم، ولكن لات حين مندم.

إن هذه الشعوب الخليجية المتكاملة والمتجانسة والمترابطة كترابط أغصان الشجرة الواحدة، تدرك تماماً أن الولاءات الضيقة هي التي تدمر ولا تعمر، وتهدم ولا تبني، وكل ذلك ما لا يرضاه عاقل منهم، فلم يقبلوا بها، بل الكل يعمل جاهداً على تضييق الحلقة عليها حتى لا تتوغل بفعل التأثيرات الخارجية في صفوف الأمة الواحدة، والكل يستشعر مسؤوليته نحو أمته وأرضه، وحاضر أمره ومستقبله، فلذلك كله استشعروا خطورة المرحلة ومقتضياتها فاجتمعت كلمة عظماء هذه الأمة على نبذ الفرقة والخلاف، وهكذا ستظل هذه الأمة الخليجية متماسكة في ما بينها، متمسكة بمنهج ربها وشرعه القويم، وتراثها الواحد، ومحافظة على خيرها الواعد، وتصنع جيلها الصاعد، تسعى للصدارة التي تليق بها كأمة عربية إسلامية، شَرُفت بحمل الرسالة الإسلامية الوسطية العادلة الراحمة، فلابد أن تحافظ على نقائها، وتظهر جمالها، وتوصل نورها للآفاق بالهدي القويم، والمنهج السليم.

وها هي دولة الإمارات العربية المتحدة تعلن صراحة أنها لا تقبل أي تحزب يؤدي إلى تشويه الإسلام أو خراب الأوطان، لتشعر الكل بأن المنهج الإسلامي يقوم على الوحدة لا الفرقة، والبناء لا الهدم، والمحبة لا البغضاء، والسلم لا الحرب، والرحمة لا الغلظة، والتعاون لا التناحر، والعطاء لا الحرمان، كذلكم هي الإمارات قامت وشادت ونمت وتقدمت، وهذه أخواتها الخليجية هي مثلها منهجاً وسلوكاً.

فأدم اللهم على الجميع نعماءَك وعطاءك وفضلك المبين، حتى نتمثَّل الرحمة للعالمين، التي بعث بها خاتم النبيين، عليه أزكى الصلاة والتسليم.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر