كل يوم

مهمة صعبة لكنها بالغة الضرورة

سامي الريامي

القضاء على «ثقافة الكراهية» وكل ما يروّج لها من فكر مهمة صعبة، وصعوبتها تكمن في عدد السنوات الطويلة التي استغلها أنصار تيار «الإسلام السياسي» وغيرهم في زرع هذه الثقافة وهذا الفكر في المجتمع، لكن مهمة مواجهة هذه الأفكار ليست ترفاً، وليست شأناً يمكن تأجيله، بل هي ضرورة ملحّة تقع في نطاق الأولويات القصوى لضمان الأمن والاستقرار في دولتنا، والمحافظة على النسيج الاجتماعي المختلف الذي يميز دولة الإمارات.

نعيش جميعاً عرباً وأجانب، مسلمين وغير مسلمين، على هذه الأرض، لكل منا حقوق وعليه واجبات، وهناك قانون واضح يمنع تعدي أي شخص على حقوق الآخر، وهناك تناغم وتسامح وتعاضد بين أكثر من 200 جنسية، يحتاج بعضهم إلى بعض، ويتعايشون بمودة، ولأجل ذلك أصبحت الإمارات مضرب المثل عالمياً في نموذج التعايش السلمي، ولا يمكن أن تسمح لأي كان أن يشوّه هذا التناغم الحضاري بأفكار مريضة.

«أبناؤنا يعيشون في مجتمع عالمي مفتوح، فمن غير المقبول أن يتلقنوا أفكاراً ومعلومات مشوّهة تحثهم على معاداة وكره الأجانب بحجة أنهم غير مسلمين».

لقد قفز هؤلاء في غفلة من الزمن، وسيطروا على قطاع التعليم، ودسوا سمومهم في المناهج، وعبثوا بعقول الأجيال، والآن وبعد تكشف الحقائق، ووضوح الصورة، وانكشاف كل المخططات والمؤامرات، لابد من إعادة النظر في كل شيء، ولابد من رسم الخطط والاستراتيجيات لمعالجة التشوّهات الفكرية التي زرعها هؤلاء، وذلك من خلال بث ونشر الوعي، وتعميم الخطاب العقلاني الذي يحث على الوسطية، وعدم التطرّف، ويشجع على التعايش السلمي، ونبذ التشدّد، ونبذ كل ما يزرع الفتنة والشقاق وكره الآخر، علينا أن نعود ونعلم أبناءنا عدم كره الآخر لدينه أو جنسيته، ومهما كان هذا الآخر، عليهم احترامه، والابتعاد عن التدخل في شؤونه الفكرية والدينية، ما لم يعتد على معتقداتنا وديننا وعاداتنا وتراثنا، وهنا هذه مهمة الدولة بقوانينها ومؤسساتها، ولا يحق لأحد أن ينوب عنها في هذه المهمة، فالجميع تحت مظلة الدستور والقانون.

يجب أن يفهم الجميع أن الدين علاقة بين الإنسان وربه، ولا علاقة لنا نحن بمن يدخل الجنة أو النار، لسنا وكلاء عن رب العالمين، ولا أحد يملك هذه الصلاحية، كل إنسان عليه بنفسه وبيته، وعليه أن ينشئ أبناءه النشأة الصالحة القائمة على تسامح الدين الإسلامي، وأن يعلمهم الرحمة التي هي أساس الدين، ونبذ العنف، وعلينا جميعاً أن نكشف للجميع زيف وكذب ادعاءات المتطرّفين وتجّار الدين والمتشدّدين من كل الفئات، فهم أبعد ما يكونون عن الإسلام، وهم أكثر من ألحق ضرراً بهذا الدين وشوّه سمعته وصورته.

أبناؤنا يعيشون في مجتمع عالمي مفتوح، فمن غير المقبول أن يتلقنوا أفكاراً ومعلومات مشوّهة تحثهم على معاداة وكره الأجانب بحجة أنهم غير مسلمين، في حين أن القرآن الكريم مليء بالآيات التي تدحض ذلك، وتكرم الإنسان كونه إنساناً قبل أي شيء، «ولقد كرمنا بني آدم»، بغض النظر عن لونه أو شكله أو دينه، وهناك الكثير من آيات الرحم، والتعايش السلمي مثل «وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، والتقوى لا تتناسب مع العنف والقتل والكره!

أدرك تماماً أن مثل هذه الأفكار المعتدلة هي صفة الأغلبية من أهل الإمارات، لكننا يجب أن نواجه الفكر المنحرف حتى وإن كان معتنقوه أقلية، علينا محاصرتهم ومواجهتهم بالفكر، وغير الفكر، فمثل هؤلاء يسعون لدمار المجتمع، وتدمير كل ما حققته الإمارات من تقدم ونمو، ولا يجب أبداً أن نسمح لهم بذلك، وهذه ليست مهمة الدولة وأجهزتها المختصة فقط، بل إن المجتمع كاملاً مطالب بحصار هذا الوباء الفكري، والحجر على المصابين به، وإبعادهم عن التأثير والعدوى.

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر