مزاح.. ورماح

«إقامة جبرية.. !!»

عبدالله الشويخ

أحبّ زملائي المحرّرين في قسم الصفحات السياسية، فهم يعيشون الحدث طوال اليوم، تأتيهم الأخبار وينقحونها، ثم يحلّلونها، ثم يعيدون صياغتها، ثم ينشرونها، ويخبرونك أنه قد حدث كذا وكذا، ثم كذا، وحين تسأل أحدهم عن رأيه الشخصي في موضوع سياسي معين، يصمت مدة ثلاث ثوانٍ، ثم يقول لك بكل ثقة: «بحكيش في السياسة»! وهم بالطبع على عكس الأصدقاء في الصفحات الفنية، الذين ينهي أحدهم لقاءً أجراه للتو مع فيفي عبده، بمناسبة حصولها على جائزة «الأم المثالية»، ثم يقول لك فجأة ومن دون مقدمات: «إنته عارف إن (داعش) دي أصلها لعبة مخابرات، ده كله عشان البترول!»، تحاول ربط خصر فيفي المترهل بـ«داعش» فتفشل، وتكتفي بالهمهمة: همممم، إذن جميع هذه الحروب هي من أجل البترول! كم كُنت أحمق! كيف لم أفكر في هذا من قبل، تقول في نفسك: «خف علينا يا كيسنجر»! وتطلب منه تدبير تذكرتين لحفل تكريم «الأم المثالية»!

في الحوار مع زملاء الصفحات السياسية، تتكرر العديد من المصطلحات، التي تخجل من السؤال عن معناها، خوفاً من اتهامك بالسطحية والجهل، وعدم الاهتمام بمآسي الأمة، خذ مثلاً كلمة «القوات المجوقلة»، لا أعرف لماذا أُحسّ بأن الأخوة الـ«مجوقلين» ينقلون بالطائرات، وهم على هيئة الخفاش، رؤوسهم إلى أسفل، وأرجلهم إلى أعلى، هذا ما توحي لي به موسيقى الكلمة التي لا أعرف معناها بعد، ولكن فعلاً لم يستوقفني مصطلح في القسم السياسي مثل مصطلح «إقامة جبرية»!

«الإقامة الجبرية»، كما يشرحها لي زميلي «المحلل» في القسم السياسي، هي أن يتم «تفنيشك» من دوامك، الذي يكون غالباً رئيس جمهورية، أو زعيم حزب سياسي، وتجلس في المنزل. أسأله: والمعاش؟ يقول لي: إن الدولة في تلك الحالة تصرف له آخر معاش كان يتسلّمه! أسأله: والـ«واي فاي»؟ يقول لي: إنه نظرياً يحق له الاطلاع على جميع وسائل الإعلام ووسائل الترفيه، لكن دون السماح له بلعب دور فيها. أسأله: والمسجد؟ يقول لي: إنه يسمح له الحركة في محيط المنزل والفريج والمسجد، بل زيارة المقربين، لا مشكله! أسأله: هل يسمح له بالكتابة، يصمت صديقي المحلّل فترة ثلاث ثوانٍ، ويقول لي: نظرياً لا يوجد أيّ مانع! أسأله: هل يمكنني العناية بحديقتي، والتحدث إلى زوجتي، ورعاية عصافيري، يقول لي وهو يهز كتفيه: أعتقد أن هذا من المحبذ، أقبّل رأسه وأخرج.

ويصرّ البعض على اعتبارها عقوبة!

تخيل معي هنا أن معاشك ماشي، وكل الأمور، التي تقضي حياتك تحلم بالوقت الذي قد تحصل عليه ذات يوم لتمارسها في جنة المنزل، مسموحة لك، ويمكنك «الحواطة» في الفريج، وفوق ذلك كله، أنت لست مضطراً للذهاب إلى الدوام!

سؤالي هنا للأخوة في الصفحات الفنية، لأن الزميل المحلل أجابني حين سألته هذا السؤال: «بحكيش في السياسة»، ما المصيبة التي يمكنني اقترافها للحصول على منحة الإقامة الجبرية؟!

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر