مزاح.. ورماح

«أخوي بالرضاعة..»!

عبدالله الشويخ

هو مصطلح قديم.. سمع به جيلنا وعايشه بشكل سطحي.. وانقرض تقريباً بشكل كامل في الجيل الحالي، حتى لقد أضحى المصطلح شاذاً في الأوساط الاجتماعية.. لكن المصطلح ذاته كان حياً ويشكل عموداً أساسياً من أعمدة الترابط الكثيرة، التي كانت تربط الناس ذات يوم بروابط لبن ودم.. عوضاً عن الروابط الإلكترونية السخيفة التي تكفي نقرة زر لنقض حبالها!

هل تذكر ذلك المنزل.. حينما كان ذلك الشخص الغريب يدخل إلى منزلهم دون استئذان، وكنت أنت تستغرب لأنه كان غريباً جداً عن عائلتهم، بينما أنت الجار لا يسمح لك بالدخول قبل قرع الجرس، والتعرض لجواب صوت الجدة المخيف.. وحينما كنت تسأل عن سبب المعاملة الخاصة، التي كان يحصل عليها الغريب كان الجواب يأتيك مصحوباً بنبرة توضيح.. إنه شقيقنا بالرضاعة!

هي ممارسة لطيفة كانت تشبه، ربما إلى حد ما، ممارسات عبثية لشعوب أخرى في مزج الدم.. لكنها كانت سلمية بيضاء بلا دم.. ما أعظم ما يمكن أن تقدمه امرأة إلى طفل جائع أكبر من أن تسقيه عصارتها وحنانها وحضنها، فيكون فرداً أصيلاً شرعاً وعرفاً من هذه الأسرة.. كم وحّدت هذه الممارسة أسراً في الماضي.. عرباً وعجماً.. حضراً وبدواً.. مواطنين ومقيمين.. أحراراً وعبيداً.. ما جعل الكثير من الأسر تتفيأ ظلال نخلة واحدة، كانت بديلة عن حواجز اجتماعية وحضارية وسياسية كثيرة.

أعرف عجوزاً في «دبا»، يبدو أنها في الستينات، أرضعت نصف الساحل الشرقي.. ولايزال أبناؤها من الرضاعة وأبناء أبنائها يحتفظون برابط الأخوة المقدسة.. ولهذا تشعر حينما تزور بعض قرى ومدن الدولة بأنك لا تدخل إلى مدينة أو قرية.. وإنما أنت فعلياً تدخل إلى منزل كبير، أو إلى عائلة أكبر!

عودة هذه الممارسة إلى عائلاتنا، وإن كانت داخل الأسرة الصغيرة كالأعمام والأخوال، ستشكل عنصر تجميع جديداً، فبعد أن زالت الشوارع البسيطة التي تفصل بيوت الجيران، وأصبحت الارتدادات الكبيرة للمنازل مطلباً تخطيطياً، وبعد أن زالت الذكريات الجميلة بين الأقارب، وأصبحت لغة «عقارات الورثة» هي التي تجمعهم، وبعد أن زالت الزيارات التي لا توضع تحت أي خانة سوى «الحب في الله»، وأصبحت مكانها رسائل برامج التواصل الاجتماعي المعلبة.. قد تصنع هذه الممارسة فرقاً إجبارياً.

تخشى أن يختلف جيل قادم من الأبناء، ولا يعود «المنزل العود» يجمعهم! تخشى أن يذهب جيل البركة، ويأخذ الله أمانته فتتفرق الجموع، ويذهب كلٌّ بذكرياته وحيداً في إحدى المناطق السكانية الجديدة! فاجبر أخاك أن يكون أباً لأبنائك.. واجبر نفسك أن تكون أباً لأبنائه.

جربنا كل ضار ونافع في حياتنا.. فلِمَ لا نجرب..؟!

وكما تختار لنطفتك فاختر لمن يرضع لك! فكم من ابن جاء لأهله بالمسبة، وإن كانت على غرار: راضعين من نفس التيس!

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر