كل يوم

دوام مثل «الأوادم»!

سامي الريامي

«الله يهديك، انت خل الموظفين اللي عندنا يداومون عدل مثل الآوادم أول، ويجابلون المراجعين، وبعدين طالب بتطبيق نظام الدوام عن بعد مثل موظفين مايكروسوفت».. هذه رسالة نصية تلقيتها من مسؤول حكومي، تعليقاً على مقال «الدوام عن بعد»، الذي عرضت فيه تجربة شركة مايكروسوفت في دبي التي استغلت الثورة التكنولوجية في تطبيق هذا النظام، ونجحت في ذلك، محققة أعلى درجات الإنتاجية، وطالبت في المقال بدراسة التجربة، ومحاولة تطبيقها في الدوائر والهيئات المحلية كافة.

لو استطعنا تطبيق النظام على 20% من الوظائف، فإن ذلك يعتبر إنجازاً وبداية مشجعة لتوسيع التجربة.

بالتأكيد كلام المسؤول صحيح، ومثل هذا النظام لا يمكن تطبيقه على الجميع، ولا يمكن تعميمه بقرار إداري موحد وشامل، فهو غير صالح لكل مكان وزمان، لكن ذلك لا يعني أيضاً أنه غير صالح نهائياً، ولا يعني أننا لن نستطيع الاستفادة منه، لذلك لابد من دراسته، وتجربته على بعض الوظائف، وليس جميعها.

بداية لابد من الاعتراف بأن دبي هي أكثر مدينة في المنطقة مؤهلة لتطبيق هذا النظام، فالأنظمة المتطورة الموجودة، واكتمال البنية التحتية للتقنية، والفكر الإداري المذهل الذي طبّقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في تحويل المدينة بأكملها إلى مدينة ذكية، لا شك في أنه يشكل رافداً قوياً لتطبيق أي ممارسة جديدة أو فكرة متطورة، وخير دليل على ذلك أن نظام الدوام عن بعد طبقته شركة مايكروسوفت في مقرها بجبل علي، ومن خلاله فهي تدير جميع أعمالها في منطقة الشرق الأوسط بأكملها، ما يعني أن الفكرة ليست بعيدة المنال، ولا يصعب تعميمها.

بالتأكيد لا يمكن تطبيق ذلك في جميع الأماكن، وعلى جميع الوظائف، وليس جميع الموظفين مؤهلين، فكرياً وثقافياً، للالتزام بمعايير الدوام عن بعد، لكن هذا لا يعني أن النظام فاشل، أو أنه سيفشل حتماً إن تم تطبيقه، ولمواجهة جميع الاحتمالات، فإن الدراسات المعمقة، واختيار الوظائف القابلة لتطبيق التجربة، والأشخاص أيضاً، والتدرج في التطبيق، كل ذلك وأكثر أساسيات لابد من مراعاتها، ولو استطعنا تطبيق النظام على 20% من الوظائف، فإن ذلك يعتبر إنجازاً وبداية مشجعة لتوسيع التجربة.

نحتاج إلى التجربة، ونحتاج إلى قرارات استثنائية، فالضغط على مدينة دبي هائل، وزيادة أعداد السيارات والبشر تشكل مشكلة مؤرقة، لا تجدي معها عمليات تطوير البنية التحتية وتوسيع الطرق، فهذه المشروعات كلّفت الحكومة 80 مليار درهم، ومع ذلك فالازدحامات لم تنته، ولم تختف وطأتها، ومشروعات التوسعة لاستيعاب الزيادة الحالية في السكان والسيارات تقابلها زيادات أكبر في فترة زمنية وجيزة، ما يجعلها غير مفيدة وغير مجدية!

لذا فالحل يكمن في قرارات تتخذ عبر اجتماعات على الطاولات، أكثر من مشروعات التشييد والتوسعة وتحويلات الطرق على الأرض، وهذه القرارات يجب أن تكون جريئة واستثنائية، لأنها ستحل مشكلة صعبة وغير تقليدية، والتفكير في نظام الدوام عن بعد هو أحد هذه الأفكار القابلة للتطبيق، لكنه أيضاً ليس كل الحل، ولن يكون العصا السحرية التي ستقلل من الازدحامات المرورية، لأننا نحتاج عملياً إلى أكثر من عصا سحرية واحدة، وربما يكون هذا النظام إحداها، بشرط أن نفكر بجد في بقية القرارات التي يحتم علينا الوقت الراهن اتخاذها، قبل أن تصل المشكلة إلى طريق مسدود، عندها لن تجدي العِصي السحرية، ولن تكون هناك خيارات عديدة، ولن نصل إلى طريق الحل!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر