أبواب

قواعد العشق الأربعون

يوسف ضمرة

قبل الشروع في قراءة الرواية الشهيرة «قواعد العشق الأربعون» للكاتبة التركية إليف شافاق، ومن باب الاحتراز لأي ملمح تاريخي قد أتعرض له كقارئ، قمت بقراءة موجز تاريخي للفترة التي تجري فيها أحداث الرواية؛ قرأت نشأة الحشاشين والإسماعيليين، وانشقاقهم عن الدولة الفاطمية، بزعامة حسن الصباح. قرأت عن السلاجقة، وعن المتصوفة والدراويش والطريقة المولوية وما إلى ذلك. أي إنه يمكن القول إنني تسلحت بمؤونة تاريخية تعينني عبر المسافات الروائية التي سأجتازها.

كانت المفاجأة المذهلة هي أنني لم أشعر للحظة واحدة بقيمة ما قرأت، أو ضرورة تذكره أثناء الرواية، واكتشفت أن الرواية عالم واقعي من دون الرجوع إلى الحقائق التاريخية المدونة؛ حقائق بحكم التدوين والمداولة!

الأسئلة التي يطرحها القارئ من دون تردد: هل كنا كذلك قبل ثمانية قرون تقريباً؟ وهل تتطور الحياة بهذه الطريقة؟


لا يصح القول إن أهمية الرواية تتأتى من كذا أو كذا، فالرواية مهمة حيثما قلبت وجهك فيها، وحيثما وجدت نفسك منقادة إلى إحدى حدائقها.

ومن لم يسمع بجلال الدين الرومي، أو شمس التبريزي، فلن يجد نفسه مضطراً للبحث عن هذين الاسمين في التاريخ، حيث أي معلومة لن تقدم أو تؤخر في مجرى الرواية.

من الثابت والمؤكد أن الكاتبة لم تخلع هذين الاسمين على نكرات في التاريخ، بل التقطتهما من بين ثناياه. ولكنها بعد ذلك، شقت لكل منهما قناة يسيل فيها. الفارق الكبير بين الشخصيتين التاريخيتين والروائيتين، يتمثل في تأثيث حياة كل منهما في الخانتين. فتاريخياً لم يكن مولانا جلال الدين الرومي سوى رجل دين، تتلمذ على يد الدرويش «الصوفي» شمس التبريزي. ويقال في بعض الروايات إنهما مكثا معاً أربعين سنة، وثلاث سنوات في رواية أقرب إلى الدقة. لم تكن هنالك شخصيات جذابة ومؤثرة في حياة كل منهما تاريخياً، كما هي الحال روائياً. ولم نمر بأي سحر أو غرائبية في مسيرة أيٍّ منهما، على الرغم من أن العوالم الصوفية تتسع لمثل هذه الغرائبية وهذا السحر. وهو ما التقطته الروائية بشجاعة فائقة، فعثرنا على ما يمكن تسميته «الواقعية السحرية». لقد فضلنا استخدام هذا المصطلح الدارج تجنباً لإثارة ردود أفعال متشنجة على أي مصطلح جديد أو مغاير، على الرغم من أن «الواقعية السحرية» ليست بالمصطلح الأنسب والأكثر مواءمة لهذا السرد الخيالي الموغل في الإيهام.

لا يصح القول إن أهمية الرواية تتأتى من كذا أو كذا، فالرواية مهمة حيثما قلبت وجهك فيها، وحيثما وجدت نفسك منقادة إلى إحدى حدائقها. لكن اللافت هو هذا التوازي بين ما يفترض أنه تاريخي أو حقيقي، وبين الزمن الجديد، الراهن والمتخيل.. الرواية كلها متخيلة بالطبع.

لقد مررنا بهذه التيمة الروائية من قبل في أعمال عدة؛ أعني الإيهام بوجود مخطوط تتم قراءته علينا، بصفته عملاً منسياً أو ضائعاً، مثل دون كيخوته واسم الوردة وجزيرة اليوم السابق ورحلة بالداثار وغيرها. لكنها بلا استثناء كانت تكتفي بسرد المخطوط. التوازي الذي تقيمه الروائية هنا يجعلنا نقرأ رغبة لديها، تتعلق بفهمها للزمن وأثره في الأفكار والمفاهيم والعقائد. لم تشأ الكاتبة القول «ما أشبه اليوم بالبارحة»، فقد أثرت الرواية في حياة القارئة «إيلا» وعائلتها، وجعلتها ترى الحياة بمنظار آخر.

والأسئلة التي يطرحها القارئ من دون تردد: هل كنا كذلك قبل ثمانية قرون تقريباً؟ وهل تتطور الحياة بهذه الطريقة؟ هل تشكل الأديان والعقائد مشكلة الشرق؟ وهل الدعوة إلى التآخي بين معتنقي الأديان تشكل حلاً حقيقياً؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه مطلباً فكرياً ليبرالياً فقط؟

damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر