5 دقائق

بين عامين

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

نودع هذا اليوم العام الهجري 1435 ونستقبل صنوه يوم غد على حسن ظن بالله ورجاء فيه أن يكون خيراً مما مضى، فاتحاً لسعادة الناس، خاتماً لمآسيهم، أحسن حالاً، وأهدأ بالاً، وأصوب قيلاً، أن يكون عام اجتماع، تنبذ فيه الفرقة والشتات وصنوف الآفات، ذلك هو أملنا في الله مكور الليل على النهار ومكور النهار على الليل، الذي جعل الأهلة علامة على عدد السنين والحساب، ليحسب الناس الخير فيزدادوا منه، والشر فيبتعدوا عنه، ويحسبوا ما لهم وما عليهم لخالقهم ومجتمعاتهم، أما الزمان فلا سلطان لهم عليه، فهو آتٍ في وقته بخيره وشره، وكما قال الشاعر:

إِن الجديدَيْن في طول اختلافهما ... لا يَفْسُدان ولكن يَفسُد النَّاسُ

نعم، تتعاقب الأيام والأسابيع والشهور والسنوات، وكأنها لحظات وساعات، لسرعة تصرم الزمان، وكأن كل إنسان معنيّ بقول الشاعر العربي الذي ودع امرأته لسفر وقال لها:

عدي السنين لغيبتي وتصبّري ... ودعي الشهور فإنهنَّ قصارُ

السنون تفتك بالأعمار، والأعمار في الحقيقة هي الأعمال، فمن عمل فهو المعمَّر، ومن لم يعمل فهو الذي خسر السنين.

ها نحن نعد السنين، ولم نعد ما قدمناه في السنين، السنون تفتك بالأعمار، والأعمار في الحقيقة هي الأعمال، فمن عمل فهو المعمَّر، ومن لم يعمل فهو الذي خسر السنين. الأعمال هي التي تبقى للمرء إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، فمن ملأ سنينه بما ينفعه من عمل صالح يؤنسه في قبره، ويرفع درجته عند ربه، ويبقيه حياً في قومه، فهو ذلك الذي تعمَّر عمراً مباركاً، وكانت سنينه مكسباً له، ومن لم يعمل ما فيه صلاحه ولا فلاحه فهو الذي خسر عمره، وخرج من الدنيا مفلساً.

نعم، يذكرنا مرور العام الهجري بمجد الأمة التي صنعها الله في مثل ذلك التاريخ، الأمة التي غاب شخصها وبقي أثرها، فهي حية في نفوسنا، نقدسها ونتبعها وندعو لها.

ويذكرنا العام القادم بأن من صنع لنا هذا التاريخ حقه علينا أن يذكر بالفخر والاعتزاز، فهو التاريخ الذي أوجد أمة وأحيا مِلَّة، وأنار الكون بخيره ونفعه، وله علينا أن نسير في هديه ومنهجه، فهو الذي كان رحمة، وكان هداية، وكان حضارة، وكان حامياً وحانياً، وهو الذي كانت تشرق عليه الشمس وتغرب في قوة السلطان وهدي القرآن ونور العرفان، وواجبنا أن تكون ذاكرة تاريخه شاحذة لهممنا لنتأسى بصانعيه، فنحن المعنيين بقول الله تعالى ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ فكيف نكون كذلك ونحن في غفلة عن ذلك التاريخ الناصع لهذه الأمة، وها هو العام القادم يجدد العهد ويوجب الوفاء.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر