5 دقائق

مع غازي (1 ــ 2)

د.سعيد المظلوم

لن أنسى ذلك الموقف الذي حدث منذ 10 سنوات مَضَيْن، كنتُ أتجول أنا وزميل دراسة سعودي في أحد شوارع مدينة بورتلاند الأميركية، وكان غازي هو موضوع الحديث، وكنت ـ حينذاك ـ قد بدأت في قراءة كتبه، فأدهشتني مواهبه التي جعلت منه شاعراً وروائياً وإدارياً في آنٍ معاً، استوقفني زميلي فجأة وأخرج من محفظته «بطاقة عمل»، جذبتها من يده، يا الله، كم أحب هذا الرجل! كان حلمي أن ألتقي به، ولكن القدر حال دون ذلك «إنه غازي القصيبي رحمه الله».

أدهشتني مواهبه التي جعلت منه شاعراً وروائياً وإدارياً في آنٍ معاً.

قرأتُ للمرحوم غازي: «العصفورية»، و«شقة الحرية»، وأُعجبتُ جداً بكتابه «حياة في الإدارة» لذلك، أنصحُ بقراءته، فقد جمع بين دفتيه كل دورات التميز الإداري التي عاصرها. وسأستعرض لكم اليوم موقفين اثنين لتوضيح أسلوبه في القيادة، يقول رحمه الله:

بدأت عهدي في المؤسسة العامة للسكك الحديدية عام 1973 بقرار أدهش بعض موظفيها، قررت أن أسافر من الرياض إلى الدمام بالقطار، إلا أن ما بدا طبيعياً في عيني لم يبدُ طبيعياً في عين زملائي الجدد، فحاولوا إقناعي بالعدول عن الفكرة لأن الرحلة طويلة ومتعبة، لكنني كنتُ مصمماً بإرادة لا تلين!

رأيت في حياتي الإدارية نماذج تستدعي التفكير: المسؤول في وزارة الصحة يرفض العلاج في المستشفيات الحكومية، والموظف الرفيع في وزارة التعليم يرسل أبناءه للتعلم في المدارس الخاصة! كانت رحلة موفقة؛ تحدثت خلالها مع المسافرين واستمعت لشكاواهم، وأكلتُ من الطعام الذي يقدم لهم، اختبرتُ كل المحطات التي توقفنا عندها، وتعاملتُ مع الموظفين عن كَثب، كانت رحلة عن ألف تقرير! وهنا لا بدَّ من نصيحة للإداري الناشئ: اختبر بنفسك الخدمة التي يقدمها جهازك!

عندما أصبح المغفور له ـ بإذن الله ـ وزيراً للصحة، كانت له لمساته الإنسانية في التعامل مع المواطنين، وهو القائل: إنّ المواطن الذي يرى وزير الصحة يزوره ويطمئن عليه سيحتفظ بهذه الذكرى طوال حياته؛ ولهذا زرت آلاف المرضى خلال فترة وزارتي. وكان كل طفل يولد في المستشفيات الحكومية يتلقى أهله مني بطاقة تهنئة مع صورة لطفلهم وكتاب «دليل الأسماء العربية»، كان هدفي أن يبدأ الطفل حياته بعلاقة وديّة حميمة مع الوزارة.

قصص الراحل غازي لا تنتهي.. وللحديث بقية.

madhloom@hotmail.com

Saeed_AlSuwaidi@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر