مزاح.. ورماح

«إيده نظيفه!»

عبدالله الشويخ

تدخل إلى مكتبه فلا يقوم لتحيتك، حسناً لستُ بتلك الأهمية، ويقول صديقي المطوع إن القيام غير محبذ، لكن العرف ربما في حال دخولك مكتباً معيناً أن يقوم صاحبه لتحيتك! تبتلع الإهانة بحكم العادة، تلقي عليه السلام، ينظر إلى شاشة الحاسوب، تسمع همهمة ما، تبدأ ثقتك بنفسك تتزعزع، هل رد سلامي أم أنها إهانة أخرى؟ هل أنا لا أستحق الاحترام؟ لون كندورتي مصفر؟ رائحتي مقرفة؟ هل مال العقال، أم أن الغترة متخربطة؟ اسمي يجلب الشبهة؟ تقدم إليه المعاملة، يوقعها لك «بقرف»، ويلقيها باتجاهك دون النظر في عينيك، ودون تكليف نفسه ابتسامة تعيد إليك شيئاً من ماء وجهك الذي أصبح يراق في أروقة معاملات المؤسسات الحاصلة على تصنيف خمس نجوم خدمية!
تركب سيارتك، وتشغل المكيف للتخفيف من تأثير «الساونا»، بسبب النيران الداخلية في نفسك، كأي «حر» يتعرض للإهانة، وبسبب النيران الخارجية، بسبب وقوعنا في مدار السرطان، حسبي الله عليه.. تتصل بصديقك الذي أرسلك إلى المسؤول المتجهم، وكأي شخص محترم وخلوق، يشكر من أسدى إليه معروفاً، تبدأ بتسميع معجم المسبات الذي تحفظه، بدءاً من «أخو الشلن»، وانتهاء بـ«ابن الكااااتب الطيب»، مروراً بـ«تباً له»، و«عليه اللعنة»، و«ليذهب إلى الجحيم»، «ليضع المعاملة في رأسه القبيحة»، رغم أن الرأس مذكر، لكنك تخطئ من شدة الغضب!
يهدئ صاحبك من روعك، ومن غضبك، ويتفهم أنك مشتعل من الأسلوب الذي تمت معاملتك به، ويشرح لك بأن المسؤول المذكور معذور، لأنه صاحب «يد نظيفة»، لم تمتد يده إلى الحرام منذ أن بدأ عمله، وأنه لا يملك من حطام الدنيا شيئاً، رغم وجوده في ذاك المنصب الحساس!
إذاً هكذا هي المعادلة الجديدة! أن أعبر عن سخطي بهذه الطريقة، أنا أفضل منكم جميعاً، أنا إنسان محترم و«كده»، لذا فعليَّ أن أقوم بتوضيح موقعكم الفعلي بالنسبة لي كموظف شريف لا يستغل موقعه.. أحييييه!
هي ظاهرة جديدة في المجتمع، وأسلوب «منيّة» قبيح، مثله مثل الذي يقول لك في حوار معين: يا أخي والله العظيم أنا في حياتي ما أخذت «كوميشن» في الدوام..
يا أخي الله يأخذك أنت ومن علمك الأدب، وعشيرتك التي أخرجتك! ألا ترتشي أو ألا تكون فاسداً هو واجبك، وعملك الذي تأخذ عليه مرتباً تعيش منه، فلا تمنن علينا بهذه الخصلة، والأمر ذاته على الذي يقول إنه يلتزم بدوامه من السابعة إلى الثالثة والنصف، أو الذي يقول إنه لا يفوّت فرضاً، أو الذي يتغنى بحسن معاملته لأهله، أو صاحب عبارة «كنت أقدر أكون مليونيراً لو أني فعلت كذا وكذا»..
يا عزيزي المحترم! هناك فرق كبير بين ما هو واجب ومحتم عليك و«البونص» الأخلاقي الذي تقدمه للمجتمع، فلا تمنن علينا.

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر