5 دقائق

وللمحبة أيضاً ميزان

خالد الكمدة

يقولون إن الحب قصة، حكاها الجد لأحفاده قبل أن يناموا، لكن النوم غلبهم قبل أن تكتمل، وفي اليوم التالي توفي الجد، ولم تكتمل القصة، وهكذا بقيت أجمل القصص في حياتنا التي لم تكتمل، ليس زهداً في النهايات السعيدة، بل لأن تخيل جمال النهايات أحلى من تذوقها.

بدا وحيداً، حتى وإن كان معه العشرات، حاضراً بجسده منفصلاً بروحه عن المحيط، تعلم منها كيف يعيش إنسان بروح آخر، كيف يتماهى فيه، وتلتحم بأهداف الآخر أهدافه، تعلم، وتقدم، وأتقن حبها، حتى غاب عنه شخصه، وصارت نفسه دخيلة في غيابها.

«تترك حقائبك الثقيلة المشبعة بطموحات الشهرة والمال، وتنطلق حراً خفيفاً على جناح الحب لأجل سعادة الآخرين».

خياله الذي أبقاها حية حاضرة، وأتقن نحت صورتها، وضبط إيقاع صوتها، لم يفلح في استحضار روحها التي منعتها أن تحلق بقربه تدابير القدر، وبات مرغماً على أن يواجه العالم بروح أخرى، منكسراً، بلا أمل، صار طريقه صعباً طويلاً، بعد أن تلاشت من المحطات هباتها، وانقطعت عن حياته أنهار مودتها.

عظيم أن تتخذ الحب منهجاً لحياتك، محركاً لك للبذل من أجل الآخرين، أن تترك حقائبك الثقيلة المشبعة بطموحات الشهرة والمال، وتنطلق حراً خفيفاً على جناح الحب لأجل سعادة الآخرين، جميل جداً أن تصبح أهدافهم غاياتك، وهمومهم أحزانك، وأفراحهم احتفالاتك، لكن أن تبخس نفسك في ميزان المحبة، أن تصبح ظلاً لصديق أو زوجة أو محبوبة، وتتلاشى كقبضة ملح في بحر عطاياك لإرضائهم، ففي ذلك خلل سيفقدك كل شيء، ولن تكون النهايات سعيدة عندها، ولا حتى في الخيال.

نتحدث دائماً عن ضرورة أن يرى كل واحد منا نفسه كجزء من الصورة، ويرى ما حوله من أجزاء، أن يعيش ويعمل كواحد من مجموعة، ومن أجل المجموعة التي هو واحد منها، لكننا نرفض المبالغة في إنكار الذات، ونرفض غياب الاتزان في كل أنواع العلاقات، أياً كانت. ومع صعوبة تحقيق اتزان كامل وعادل في علاقاتنا، يبقى الحفاظ على الاتزان النسبي صمام الأمان الوحيد لحماية هذه العلاقات والحفاظ على صحيتها واستمرار نمائها.

أن تبذل للآخر أكبر بقليل، أن تحبه أكثر بقليل، أن تتفانى لأجله أزود بقليل، وأن تتماهى فيه أقل بقليل، حتى تبقى أنت أنت، ويبقى هو هو، وتبقى كل أجزاء الصورة لا يغيِّب أحدها الآخر، ويعيش الأمل بنهايات سعيدة آجالاً أطول.

twitter@KhaledAlKamda

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر