أبواب

إجابات قلقة لأسئلة مُربِكة

يوسف ضمرة

من أبسط الأمور التي قد تخطر ببال المرء، وهو يعيش هذا التراجع الثقافي العربي، هو أن تكون هناك ضوابط صارمة، تنظم آليات النشر وإقامة المعارض وعرض المسرحيات وما إلى ذلك. وهذا التفكير نتاج ثقافة بائدة، شكلت في ما مضى حجراً في جدار بنيتنا الثقافية.

من يراقب الإنتاج السينمائي والمسرحي في العالم العربي، يُصَبْ بخيبة مريرة. فبينما كان المسرح العربي منذ منتصف الستينات ينجح في انطلاقة قوية، ويجهد لترسيخ أقدامه كفن عظيم، يحتفظ لنفسه بميزة التماس المباشر مع الجمهور، نعيش اليوم انتكاسة حقيقية لهذا المشروع. وربما لا نكون مطلعين تماماً على المسرح المغاربي، إلا من خلال ما نقرأ أو نشاهد أحياناً في مهرجانات تتحكم في نوعية عروضها اعتبارات كثيرة، ربما يكون الجمالي آخرها، أو واحداً منها في أحسن الأحوال. ورغم ذلك فإن متابعتنا الإعلامية لا تمنحنا انطباعاً يشكك في خيبتنا.

من يراقب الإنتاج السينمائي والمسرحي في العالم العربي، يُصَبْ بخيبة مريرة.


القضايا العامة والكبرى على مر التاريخ شكلت منبعاً رئيساً وثرياً للمبدعين.

ندرك أن الفنون حالة تجاوز مستمر، وهو الأمر الذي يجعلنا نفكر في حالنا في هذا السياق، فحينما يبلغ المسرح الغنائي مرحلة متقدمة على أيدي الرحابنة، فإن منطق التطور البشري يقول إن على هذا الفن الآن أن يكون بلغ مرحلة أكثر نضوجاً وتميزاً، خصوصاً أن تجربة الرحابنة كانت ثرية وطويلة، ولم تكن عابرة. وقد تفاعل معها الجمهور وأحبها ولم تعد فناً غريباً أو محط تنازع أفكار وذائقات.

والحال تنطبق على السينما بفروعها المختلفة، وربما تمتد لتشمل الفنون التشكيلية من رسم ونحت وحفر، وما إلى ذلك.

لكننا نتوقف قليلاً لنتساءل إذا ما كان هذا الأمر ينطبق علينا فقط؟

حينما فازت أليس مونرو بجائزة نوبل للآداب، كتبنا هنا قائلين «فازت الكاتبة التي لا نعرفها»، ويومها تلقيت رسائل وتعليقات متباينة، كان منها أن عدم معرفتها لا يعني أنها لا تستحق الجائزة، أو أن كتابتها رديئة. ولكن هجمة الإعلام الأميركي المستمرة حتى اليوم على فوز الفرنسي باتريك موديانو لم تجد كاتباً عربياً يرد هذه الهجمة لنظرية المؤامرة، كما نفعل نحن مع بعضنا بعضاً. الكتاب الأميركيون يقولون عن باتريك موديانو ما قلناه عن أليس مونرو. يؤكدون أنه كاتب مجهول، وأن نوبل مسحت الغبار عن مؤلفاته المكدسة في المخازن.

أجل، ربما كان ماريو بارغاس يوسا آخر كاتب معروف فاز بالجائزة، وهو بالتأكيد أمر يستحق التأمل والتفكير.

وبالعودة إلى تراجعنا في العالم العربي، فإن لدينا ما يكفي من الأسباب لهذا التراجع، لكنها الأسباب ذاتها التي تكفي لإيجاد حالة إبداعية متميزة. فالقضايا العامة والكبرى على مر التاريخ شكلت منبعاً رئيساً وثرياً للمبدعين. ويكفي أن نستذكر بعض الكتابات العالمية لكي نؤكد ذلك، كروايات: ماركيز «مائة عام من العزلة، وخريف البطريرك»، و«الحرب والسلام» لتولوستوي، و«حفلة التيس، وقصة مايتا، وليتوما في جبال الأنديز» لماريو بارغاس يوسا، و«دروب الجوع» لجورج أمادو، وغيرها الكثير مما لا يتسع المقام لذكره.

هل يمكن القول إننا في العالم العربي مررنا بعقدين ـ منذ بداية التسعينات ـ تحررنا فيهما من قيود الالتزام الميكانيكي، وولجنا مناطق الإنسان وهواجسه التي كانت مغلقة أمامنا من قبل؟ وهل يشكل دخول العالم العربي في عين عاصفة الموت والدمار والخراب نوعاً من الشد العكسي؟ هل حدث شيء من الارتباك للكاتب والفنان العرب بفعل هذه التغيرات المتلاحقة، والمتناقضة؟ ربما! فما الذي حدث للكتابة والفنون العالمية؟ لماذا توقف أمين معلوف وأومبيرتو إيكو مثلاً؟

damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر