مزاح.. ورماح

«عيش الجو..!»

عبدالله الشويخ

أعتقد أنك مثلي..

لا تكره شيئاً في الحياة الوظيفية أكثر مما يعرف بـ«اجتماعات العمل»! كل تلك الوجوه المملة.. طعم الأكواب البلاستيكية.. عروض «الباوربوينت» السخيفة.. محاولة المدير التهديد بطريقة غير مباشرة بالضغط على حروف الكلمات كلما كرر عبارة «أوامر الإدارة العليا».. الموظفة الفارغة التي تأتي متأخرة دائماً للاجتماع وهي تقول: سوري توني مخلسة أظافري في السالون.. والجميع يبتسم لها رغم ذلك.. صراعك الأزلي مع الكرسي الدوار في محاولة هزهزته ذات اليمين وذات الشمال دون إصدار صوت صرير.. تسلية النفس برسم رؤوس جريندايزر والرجل الحديدي وجنقر على دفتر الملاحظات.. يا إلهي هناك الكثير من العمل في هذه الاجتماعات..

وبالمقابل فأنا لا أعلم إن كنت مثلي تعشق ما يسمى بـ«غداء عمل»، ففي هذا الطقس الرائع يحس من يرون أنهم لم يحصلوا على ما يستحقونه بأنه أفضل فرصة للانتقام الوظيفي، فأمام نظرة مديرك المستنكرة أنت تطلب «أبطرايزر» مكوناً من قليل من الكافيار وأنت تعلم أنه لن يفشل نفسه أمام الوفد الأجنبي بأي تعليق سخيف.. تطلب دستة من العصائر التي تنسيك «عبود» و«طبقات» و«برج العرب».. وتبلغ كلفتها مثل كلفة جهاز «لابتوب» حديث.. ثم تطلب شيشة بينما مديرك يكاد يبكي قهراً وهو يعد العدة لما سيقوله لدائرة الرقابة الداخلية إذا دققت في الفاتورة، وأخيراً تطلب «بارسيل» لجميع أصدقائك وقد تحول لون المدير عندها إلى إشارة مرور.. أحمر عند الخدين من الغضب.. أصفر عند الجبهة من الإحراج، وبقية الوجه أخضر في إشارة إلى رغبته الشديدة في التقيؤ على وجهك!

أنت مثلي تعرف أن أفضل ما تفعله بعد انتهاء غداء العمل هو وضع يدك على كرشك والضغط على حروف الكلمات وأنت تقول: «الله يعز الحكومة»!

أصدقكم القول أنني أخيراً لم أعد تلك التسلية في غداءات العمل.. يكفي وجود شخص أجنبي واحد في الغداء ليقوم كل موظفي دائرتنا بعمل «أوتو سويتش»، فيبدأون تناول الطعام باليسار كنوع من الإشارة إلى الرقي ومعرفة «الإتيكيت».. قد تجد أنه مؤشر سخيف جداً.. لكن صدقني الحقيقة تختلف، فهذه الأشياء البسيطة هي ما تدل على ثقتنا بأنفسنا وافتخارنا بموروثنا..

تخيل فقط لو أنك تعلم مثلاً أن البطاطا الحلوة محرمة في عقيدة الشعب الياباني.. وفي غداء عمل مع ياباني وجدته يمتنع عنها ووضح لك تقاليده، وآخر يأكلها ويصر على أن تراه كذلك.. أيهما سيقع احترامه في نفسك بشكل أكبر؟!

الممارسات البسيطة تعكس نمط تفكير كامل في الاستعداد لتقديم تنازلات من أجل رضا «الآخر»، فتنسحب على النبيذ الحلال ثم العباءات «الفاشين».. ثم الممارسات الأخلاقية، ثم محاولة التقليد خطوة خطوة في كل شيء وأي شيء إلى مرحلة جحر الضب.. كم هو منظر العربي سخيف وهو يجثو على ركبتيه طالباً الزواج بإحداهن! الثقافة لا تدبلج يا صديقي! كنت أتمنى أن تقول الأخرى لك: وأمك وين؟

كيف يمكن أن أئتمن وفداً محاوراً يتنازل في قضية الشوكة والسكين على قضايا وطن وأمة؟!

في اجتماع حضرته أخيراً، طاحت «بطول» الواين من أجل عيون الوفد الزائر.. فوجئت بمسؤول عربي يفتح القوارير ويشمها على طريقتهم.. سألته عن سبب تطوعه لتلك الممارسة السخيفة، فكان جوابه مقنعاً حد المصيبة: يا خي عيش الجو!

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر