مزاح.. ورماح

العودة إلى رغيف البراتا!

عبدالله الشويخ

يمرون بجوارك لا تراهم، يملأون حياتك من دون أن تحس بهم، هم أقل الناس حصولاً على الاهتمام منك رغم أنك تعلم أن حياتك من دونهم قد لا تستمر ليوم آخر، جميعهم عندك سواء، تخاطبهم بالاسم نفسه للجميع: «رفيق»، فهو رفيق إذا كان كبيراً، ورفيق إذا كان شاباً، ورفيق إذا كان موظفاً، ورفيق إذا كان عاملاً، وبالمثل فنحن جميعاً «أرباب»، ويقوم مجتمعنا بشكل عام بتنسيب كل من ليس له حظ من الذكاء إليهم، وحين يحاول أحدهم مغافلتك فأنت تستظرف وأنت تكشف له عن رقم فانيلتك وتقول له: بالله عليك شوف مكتوب على رقبتي «ميد إن نيو دلهي».

الصمم الطبقي والعرقي الموجود لدى بني يعرب جعلنا لا نستمع للتجربة الهندية التي نجحت في صهر آلاف المعتقدات وعشرات الآلاف من اللهجات في مجتمع واحد متناسق في حركته الجمعية، رغم وجود الطبقية فيه، بينما أبناء اللغة والمعتقد ذاتهما يسابقون الزمن لهدم حضارتهم بأيديهم، خصوصاً في بلاد الحضارات القديمة، وبعيداً عن دهاليز السياسة المعقدة فقد قدمت الهند مرة أخرى درساً علمياً بإرسال مسبارها إلى المريخ في رحلة بلغت مسافتها 215 مليون كيلومتر، بمتوسط 30 ألف كيلومتر في الساعة لمدة ثلاثمائة يوم، ربما سنرى شعار «تاتا» الشهير، الذي أصبح على كل شيء يصنع هناك، على فوهة مريخية، لا مشكلة! ولكن الرقم الذي يجب التوقف عنده فعلاً هو رقم الكلفة، فبينما كلَّفت الرحلة ذاتها في الولايات المتحدة الأميركية مبلغ 670 مليون دولار أميركي، كانت كلفة الرحلة الهندية 74 مليون دولار أميركي، أي أن الفرق كان 600 مليون دولار أميركي فقط! وكما يقول أحد الزملاء فإن ميزانية الوصول للمريخ (هندياً) تقل عن ميزانية الفيلم الأميركي «غرافيتي»، ماذا نسميها؟ فرق العملة؟ فرق العمالة؟ بدل رفاهية شعوب العالم الأول؟ فوتوشوب؟! أم نسميها العمل والوصول للنتائج المرجوة باستخدام الإمكانات الموجودة؟!

دول المنطقة بشكل عام، ودولة الإمارات بشكل خاص، مقبلة على فترة جديدة من التنمية التي ستركز خلال الأعوام المقبلة على التنمية العلمية وبناء القدرات وغزو الفضاء والاستثمار في تعليم الإنسان، ولا شك في أن هذه المرحلة القادمة بما فيها الأحداث المهمة التي ستستضيفها المنطقة تحتاج بشكل مباشر وغير مباشر إلى استنساخ تجارب وإلى استشاريين ومهنيين، والاستعانة بخبرات من هنا وهناك، وقد كانت هناك تجربة كبيرة في استيراد عشرات الألوف من المستشارين من دول العالم الأول في الفترة الماضية، والحق يقال إن النتائج كانت ملموسة، ولكن مع وجود هذه الهوة الكبيرة في الكلفة، بين الكرواسون الأوروبي والبراتا الهندية، هل سيستمر القطاع الاستشاري في الاعتماد على الدول ذات الكلفة الفلكية؟! أم العودة إلى أصدقائنا الآسيويين واستغلال فرق الكلفة الفلكية لزيارة الفلكية نفسها؟!

هذا ما سيكشفه المسبار مانغاليان إن لم «يهنق» قبل منافسه الأميركي في الأيام المقبلة!

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر