مزاح.. ورماح

«صب..!»

عبدالله الشويخ

انتهت الحفلة قبل أن تبدأ، ولم يستغرق الأمر كله أكثر من أسبوع واحد منذ بدء الزوبعة حتى انتهائها في الإعلام، وبعد أسبوع كأنّ أمراً لم يحصل، والدليل أنك أنت نفسك لا تعرف ما الحفلة التي أتحدث عنها! لأن دماغك قد قام بشكل تلقائي بحذف ملفها غير المهم من أدراج ذاكرتك، واستبدله بملف آخر يحمل التصنيف البذيء الذي تعرفه جيداً.

كل ما أعرفه عن أسكتلندا هو أنها إحدى أربع دول تشكل المملكة المتحدة.. يقول لي صديقي الذي يحب أسكتلندا جداً، ويطرب عندما يسمع كلمة «سكوتش»، يقول بعد أن «يعطيها» إنها ليست أربع دول، لكنها أربعة كيانات، فأقول له لكنها تشارك في كأس العالم بأربعة منتخبات، فينظر إليّ بعينيه الحمراوين من أثر حب الشعب الأسكتلندي، وهو يقول لي: هناك دائماً استثناءات في كل شيء، وإن لم تكن الاستثناءات في كرة القدم من أجل بلد السير ألكس فيرغسون فلمن تكون الاستثناءات؟! كما أعرف عنها أيضاً أن البعض يفضلون الذهاب إلى مطارها صيفاً، خوفاً من الزحف الكبير إلى مطارات لندن، وأن لديهم زيّاً شعبياً هو تنورة مخططة يلبسها الرجال «ويا حيف على لابسين التنانير»!

بصدق هذا كل ما أعرفه لا أكثر ولا أقل! لأن الشباب هناك لم يطلبوا طلباً للانفصال أربع وعشرين ساعة، لكن حين تقرر الأمر رسمياً في استفتاء سمعنا عنه في وسائل الإعلام، وعرفنا أنه كانت هناك مطالب شعبية، وأن هناك من يرى مصلحته في الانفصال.

الحفلة التي لم تستغرق أكثر من أسبوع، لم يقم فيها الانفصاليون بتأسيس ميليشيا لترعب الإنجليز في المناطق الحدودية، ولم تضطر فيها الحكومة المركزية لتأسيس تحالف دولي ضد التنانير المخططة، ولم يقم طرف بتفجير أنبوب نفط، ولم نر تظاهرات يموت فيها الأبرياء المتحمسون للفكرة من كلا الطرفين تحت سنابك خيول عربية في جزيرة بعيدة عن جزيرة الخيول الأصلية.

كل ما حدث في الحفلة كان يشبه حفل قرعة كرة قدم، تضع ورقة هنا وأضع ورقة هناك، أنت ترتدي تنورتك وأنا أنظر إليك بازدراء، نخرج الأوراق، «ها يابه في انفصال.. لا يابه ماكو»! وبعد ذلك هل نقوم بمطاردة الانفصاليين، ونصفيهم الواحد تلو الآخر؟ هل نهاجم الفكر الانفصالي في عقر داره ونمسحه من الوجود؟ هل نطالب بإحراق الكتب التي تدعو إليه؟

من أجل ألا يحس الأسكتلنديون بالغبن، تم إعطاؤهم باقة تخفيضات في الجمعيات التعاونية، وشركات الاتصال، ومجموعة محفزات لا أعرف كنهها.

و«طاق طاق طاقية»، انتهت الحفلة، والجميع يبتسم، في انتظار عودة العجلة، وتسليم الراية إلى جيل آخر، ليقرر حينها، طبقاً لظروف المرحلة، هل ينفصل أم لا!

أعزائي في سورية ولبنان والعراق واليمن وليبيا، وكل جزء جريح في قلبي الصغير، هل تعلمون أين يرسل الأسكتلندي وجاره الإنجليزي ابنه العاق، فيتخلص منه من ناحية، ويعلمه الرماية من ناحية أخرى؟

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر