مزاح.. ورماح

«بيّاع المآتم»

أحمد حسن الزعبي

في ستينات القرن الماضي حَبَكَ «الأخوان رحباني» حكاية ولا أجمل، خُلّدت بجملها وأغانيها وأحداثها من خلال مسرحية «بيّاع الخواتم».

فكرة المسرحية، لمن لم يشاهدها من الجيل الجديد، مبنية على ضيعة متخيّلة، يقوم المختار (نصري شمس الدين) باختراع شخصية وهمية سماها «راجح»، ليقنع أهل الضيعة ببطولته وأحقيته بـ«المخترة»، حتى صار في كل جلسة يروي لهم عن راجح المجرم الخطر الذي يعادي الضيعة ويهدد سكانها، لكن بطولته كمختار كانت تهزم شرور راجح، وتحول دون سيطرته وإرهاب هذا الغريب.

ومن خلال أحداث المسرحية يعترف المختار لابنة أخته ريما (فيروز) بأن قصة راجح وهمية، اخترعها هو ليسلي أهل الضيعة، وليبقوا دائماً في حاجته، ويمتنّون لقوته وحمايته.

ولأن أحداً لم يصادف راجح إلا المختار نفسه، فقد شكّ الشابان «فضلو» و«عيد» في صدقية مختارهم، لذا استغلا الفرصة ووضعا قائمة بالجرائم التي ينوون تنفيذها، وإسنادها إلى الشخصية الوهمية (راجح)، فأطلقا الماعز من المزارع، وعبثا بالبساتين، وسرقا أشياء أخرى، وبدآ ببث المزيد من الشائعات عن راجح بين أهالي الضيعة.

وفي «عيد العزّابي»، المناسبة السنوية التي تقترن فيها الصبايا بمن يحببن من الشباب، كان عدد الشباب أقل بواحد من عدد الصبايا، ما يعني أن صبية ستبقى عزباء، فتخبر العرافة فيروز بأنها ستكون هي «العزباء» الوحيدة في الضيعة، فحزنت «ريما»، وغنّت الأغنية المشهورة «يا بياع الخواتم».

المهم، واختصاراً للقصة، وفي غمرة الاحتفال بـ«عيد العزّابي»، اضطربت الضيعة عندما ظهر شخص ضخم الجثة، ادّعى أنه راجح الحقيقي، وطلب مقابلة المختار، فنصحته فيروز بألا يقابل خالها، كي لا يلحق به الأذى، إلا أنه أصر على مقابلته، ليتبين أن راجح ليس إلا بيّاع الخواتم المسالم، وأنه قصد الضيعة في «عيد العزابي» بالتحديد ليهدي العرسان من بضاعته، فانكشفت أفعال «عيد» و«فضلو» اللذين كانا يختبئان خلف الوهم المرعب «راجح».

في نهاية المسرحية طلب بيّاع الخواتم يد ريما لأحد أبنائه، فوافقت فيروز فقط من أجل «أن تبقى كذبة راجح كذبة».. انتهت القصة.

في السياسة الدولية، تماماً كما في المسرحية، هناك مختار، وهناك راجح، فحتى تبقى أهمية القوى العظمى، وتبرز بطولتها، لابد من اختيار عدو من ظلام، تتخلص منه بالظلام، ليمتن العالم لقوتها وحمايتها، يبقى الفارق الوحيد أن في المسرحية الغنائية هناك «بياع خواتم»، وفي المسرحية البكائية العالمية هناك «بيّاع للمآتم».

أتساءل: كم ألف قتيل بريء سيسقط ليحاربوا «راجح» آخر؟

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر