مزاح.. ورماح

«السيجارة الأخيرة..!»

عبدالله الشويخ

إذن فأنت لا تدخن! ولم تقترب من سيجارة في حياتك قط! أنت مثلي تماماً، أو على الأقل هذا ما أقوله لأمي!

عدم تدخينك وحفاظك على صحتك العامة والخاصة، وتأثرك بمشهد الرئة المسلوخة على علب السجائر، هو أمر محمود، أحييك عليه، أنت قوي الإرادة، ورجل «فيك خير»، ولكن تبقى هناك معضلة أدب ــ أخلاقية، إن أغلب الكتّاب والأدباء الذين تراهم في أرذل العمر ويقولون حكماً على غرار: لا تحتقر الأفعى لأنها من دون قرون.. فربما تنقلب يوماً إلى تنين! ترى أن السيجارة أو الغليون من لوازمهم ولا يمكن أن تتخيل صورة لكاتب مخضرم دونها! تذكر صورة نزار قباني مثلاً ستتخيله فوراً وهو يمسك القلم بيد والسيجارة باليد الأخرى، وهذا شأنهم أيضاً.. الله يهديهم ويرحم الأموات منهم!

تبقى المعضلة في كيفية فهم القارئ لِمشاهد/أبيات/أحاسيس يكتبها كاتب أو أديب معين لمشهد تُشكل فيه السيجارة لاعباً رئيساً وهو لا يدخن، ولعل أهم هذه المشاهد الكلاسيكية هي تلك السيجارة التي يأخذها بطل القصة/المسرحية/القصيدة قبل إعدامه، حدثني بصدق كم مرة مر عليك هذا المشهد في قراءاتك أو مشاهداتك السينمائية؟!

أنت لا تدخن، ولكن في داخلك أديب أحمق صغير يريد أن يفهم تفاصيل هذا المشهد، أرجوك لا تبدأ بإشعال السيجارة الأولى أنا سأسهل لك فهم الشعور، دون الحاجة إلى عيش التجربة.

تخيل معي، أنك موظف حكومي أو شبه حكومي أو قطاع خاص، يأتيك رزقك رغداً كل شهر، لا بأس من اقتطاع جزء منه كأقساط سيارات وبدل كشخة للمدام وقسط المنزل ودفع فاتورة الكهرباء، وسبع فواتير لشركات الاتصالات، وفاتورة البقالة، وفاتورة «الكريديت كارد»، وفاتورة الدوبي، وإعادة ما سرقته من حصالات الأبناء، ليبقى لديك مبلغ بسيط يكفي تنقلاتك بين زوايا عالمك الصغير: القهوة، العزبة، الدوام، المنزل.

في عام 2014 أصيب الموظفون بحالة استثنائية، حيث جاء فصل الصيف مع رمضان مع موسم الأعياد مع موسم السفر مع موسم بداية المدارس الخاصة، مع اكتشافهم متأخرين أنهم قد أنجبوا أكثر من المعدل المسموح به عائلياً، وكانت النتيجة أنه حتى الصغار بدأوا يخبئون حصالاتهم في أماكن لم تكتشف حتى الآن.

وفي قمة هذه الأزمة ومع اقتراب الكثيرين من حبل المشنقة، تقوم شركات الهواتف المتحركة الكبرى بإطلاق نماذجها الجديدة، شركة أبل تقدم «آي فون 6»، و«سامسونغ» تقدم «نوت 5»، هل تريد أن تعرف فعلاً طعم تلك السيجارة، تجاهل جميع المديونيات والسلفيات وجوقة الدائنين خلفك، وادخل إلى أقرب متجر واشترِ هاتفاً جديداً، اخرج من هناك مفلساً، ولكن لسان حالك يقول: خربانه.. خربانه!! هذا هو الشعور تماماً.

يمكنك الآن إطلاق الزفير بقوة من رئتيك..!

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر