5 دقائق

الأمن والاقتصاد

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

التنمية الاقتصادية هدف كل إنسان وأمنيته، والكل يسعى إليها سعي الوحوش في البراري، وكثير من الناس يخطئون طريقها حيث يطلبونها بمنئى عن سببها الرئيس، وهو استتباب الأمن، الذي من دونه لا يتحقق أي رخاء، ولا تحصل أي تنمية، لأن المال ينكمش على نفسه إذا لم يجد بيئة ينمو فيها ويتطور، وعندئذ يأكله التضخم، وتكثر البطالة، ويغادر المال باحثاً عن بيئة ملائمة، هذه حقيقة اقتصادية لعلها لا تخفى، وقد أشار القرآن الكريم لها يوم أن ضرب مثلاً للقرية المطمئنة التي يأتيها رزقها رغداً{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}، فقد كان الأمن هو ركيزة العيش الرغيد، فبه يأتي الرزق من كل مكان، ويتحقق للناس ما يريدون من سعادة ورفاهية، فإذا لم يكن الأمن موجوداً لا يتحقق لهم مراد، وهي إشارة واضحة في جانبي الإيجاب والسلب.

«المال ينكمش على نفسه إذا لم يجد بيئة ينمو فيها ويتطور».

وكثير من الناس عن هذه الحقيقة غافلون، والشاهد المثالي يؤكد ذلك، فهذا البلد الذي ضرب فيه الأمن بجِرانه، ينمو بسرعة البرق، ويتطور تطوراً مذهلاً يسر الصديق ويغيظ العدو، وعمَّا قليل، إن شاء الله تعالى، سيكون في الصافات، ذلك لأنه عرف من أين تؤكل الكتف كما يقول المثل السائر، فسعى لذلك الرُّقي من بابه الأساس، وهو توفير الأمن، فجعله هدفاً استراتيجياً قبل السعي للتنمية الاقتصادية، فحققه للمواطن والمقيم والزائر لنفسه وماله وأهله وعرضه، وعندئذ جاءه النجاح يركض من كل مكان.

وحينما أخطأت البلدان التي هي أكثر خصباً، وأكثر ثروة مخزونة، وأكثر عدداً سكانياً؛ عندما أخطأت هذا الطريق لم تفلح في شيء، فهي تمشي القهقري وتعود إلى الوراء، وستظل كذلك حتى يعود لها رشدها بالسعي لتحقيق الأمن أولاً.

وتحقيق الأمن ليس بالأمر السهل، فهو منظومة متكاملة، يبدأ بإقامة العدل في النظام، ويمر باليقظة الكاملة، والإخلاص التام، من رجال الأمن والمواطن والمقيم والزائر؛ لأنه يهم الجميع بغير استثناء، وتوفير التقنية التي تسهل الكثير وتكشف الخطير، ومثل هذا كله يحتاج جهداً جباراً، وبذلاً غير مضنون، ومهما كثر فإنه يعتبر قليلاً بجانب النتائج السلبية عند فقده.

وبما أن كل إنسان يعيش على ثَرى هذه الدولة الراقية بأمنها واقتصادها، ذات الحضارة العالية في تعاملها وبِنيتها، يطمح أن يستمر لها ذلك، فإن عليه أن يكون أحد الفاعلين في توفير الأمن وتطوير الاقتصاد، فلا يأتي بما يخل بالأمن، ولا يسمح لأحد بذلك، ولا يدخر جهداً في تطوير ذاته اقتصادياً بالوسائل المتاحة. والله ولي التوفيق.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر