مزاح.. ورماح

«خلّوه يموت..!»

عبدالله الشويخ

يقول المتنبي في إحدى قصائده الخالدة: لولا المشقة ساد الناسُ كلهم.. الجود يُفقر والإقدامُ قتّال

ويُعد هذا البيت من أجزل وأجمل ما قاله صاحبنا.. أي إنه بالعربية المبسطة: الفزعة وهقة!

بينما أنا وبعض الأصدقاء نقوم بجولاتنا الأسبوعية للاطمئنان إلى سير الحياة في المراكز التجارية، رأينا أحد المقيمين يتصبب عرقاً، وقد كان مفرط البدانة، يبدو أنه بذل مجهوداً جباراً في الصعود على سلم المركز التجاري.. حالة عادية وتحصل كثيراً في ظل الحياة التي أصبحت ما بين نقرة على لوحة مفاتيح ولمسة على شاشة هاتف ذكي.. فأنت لا تحس بالفساد الإداري في جسدك، حيث تقوم خلاياك المرتشية بتخزين غير شرعي للدهون والكربوهيدرات على طريقة لصوص البنوك الكبار.. عدة كالروهات كل يوم لا تلحظها في الميزان، لكنها تشكل بعد فترة مصيبة تجعلك لا تستطيع صعود السلم دون أن تحس معه بأن روحك ذاتها تجاهد للصعود إلى السماء! أحضرنا ماء للرجل المتعب.. وقبل أن يصل إلى فيه أو فاه، لا أعلم تحديداً، أسألوا فيها أيوب يوسف.. سقط الرجل مغشياً عليه!

كأي مجموعة تم تطهيرها وذبح عقيقة عليها يوم الطهور.. كان من الواجب أن نتصل برقم الإسعاف، جاء الإسعاف وكانوا في قمة التعاون والحق يقال.. قمنا بنقل الرجل إلى المستشفى وابتسمنا له وللممرضات.. وقمنا بشراء علبة جواهر جالاكسي له.. وحمدناه على السلامة، وقام المستشفى بتوصيل الأجهزة والخراطيم له، واتضح أن لديه «باكيج» من أمراض السمنة بين السكر والضغط وتضخم القلب.. وبقية الجروب السعيد! ابتسامة أخرى منا وغادرنا عائدين إلى المركز التجاري لإكمال الاطمئنان إلى سير الأمور!

بعد يومين اتصل صاحبنا المريض.. رددت عليه بعبارة ترحيبية وأنا أتوقع منه «الكليشة» التي أحب كرجل يفعل الخير ويلقيه في البحر سماعها ممن أقدم لهم خدمات جليلة.. مشكور يالأصيل.. الله يكثر من أمثالك.. الله يرحم اللي رباك.. تلك الجمل التي تجعلك تغفر للمجتمع كمّ المسبات الذي تتلقاه على مواقع التواصل الاجتماعي.. لكن ما حدث كان أن الرجل باغتني بعبارة: «خربتوا بيتي الله يخرب بيتكم!».. انزين والجالاكسي؟!

اتضح أن المستشفى «الحكومي» يطالبه بفاتورة تبلغ قيمتها آلافاً عدة من الدراهم، وأن الرجل على باب الله وكلنا على ذلك الباب.. وحين استفسرنا من الإدارة أبلغونا بأن سياسة وزارة الصحة تقضي بإدخال النزيل والصحة أولاً.. ثم يبدأ العداد يحسب دون إبلاغه لكي لا تتأثر حالته النفسية أو الصحية.. وحين ينتهي العلاج يتم تسليمه الفاتورة كتحصيل حاصل! إدارة أخرى في المستشفى أبلغتنا بأن الفاتورة معروفة سلفاً، وسعر العناية المركزة معروف، والمريض لا يُعذر بالجهل.. وقد كان في حالة لا ينفع معها إبلاغه بالأسعار الجديدة قبل الإدخال!

المهم هذه لوائح وأنظمة لا علاقة لنا بها.. ولكن نصيحتي لك أخي، راعي الفزعة إذا رأيت رجلاً يلهث وعلى وشك الإغماء.. فاتركه يموت، فهذا أوفر لك وله!

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر