مزاح.. ورماح

وظيفة سهلة

أحمد حسن الزعبي

شكا الرجل إلى صديقه ظروفه المعيشية وضيق الحال وانعدام فرص العمل، وكيف قد انقضى نصف العقد الرابع من عمره دون أن يتعثّر حتى اللحظة بوظيفة مناسبة تلائم شخصيته الهادئة وقدراته المعقولة وطموحه المستقرّ كأجواء قبرص، فما كان من الصديق إلا أن بادره السؤال: هل يعقل أنك لم تجد طوال عمرك وظيفة ترتاح بها، وتنتمي إليها لتقضي ما تبقى من عمرك في رضا وقناعة؟ فهزّ الرجل كتفيه نافياً حصول ذلك البتة، مؤكّداً أن المشكلة ليست في ما يطلبه وإنما في المعروض.

تناول الصديق الجريدة اليومية بهمة وحماسة، وبدأ يبحث عن الصفحات الأخيرة التي تزخر بإعلانات التوظيف عادة، أخذ نظرة طوليّة وأخرى أفقيّة على الصفحة المُحكمة بيده اليمنى، ثم سأل صاحبه اليائس: كيف أنت والسباحة؟ الصديق: أنا سبّاح ممتاز، ابتسم الصديق ليبشره: مطلوب هنا منقذ سباحة خبرة لا تقل عن سنتين في السباحة! تجهم الرجل الأربعيني معلقاً: لا.. لا.. هذه لا تناسبني، أولاً مسؤولية كبيرة، ثانياً لا تناسب شخصيتي الهادئة، وقد تعرّضني لمساءلة قانونية وسجن، ألم تسمع عن الطفلة التي غرقت في مسبح المدرسة؟ لقد حمّلوا مسؤولية الغرق للمنقذ، أريد وظيفة سهلة وخالية من المسؤولية.

عاد الصديق إلى متابعة إعلانات التوظيف: ها.. هذه ممتازة لك، مطلوب رجل أربعيني لوظيفة مراقب دوام في شركة خاصة براتب مغرٍ، ما رأيك؟ الرجل البائس: لا.. لا.. هذه لا تناسبني أيضاً، أولاً مراقبة الدوام مسؤولية كبيرة، وتولّد خصومة مع الزملاء، ثالثاً لا تناسب شخصيتي الهادئة، وقد تعرضني لمساءلة قانونية وحسم راتب وسجن، أنا أريد وظيفة سهلة وخالية من المسؤولية.

الصديق: اسمع.. هذه فرصة ذهبية، مطلوب أمين مستودع متزوج وأربعيني وصاحب شخصية هادئة، المواصلات مؤمنة، الراتب حسب الكفاءة، للمراجعة تليفون... ما رأيك؟ الأربعيني اليائس: أعوذ بالله، هذه لا تناسبني إطلاقاً، أولاً أمانة المستودع مسؤولية كبيرة، إذا نقصت قطعة أو إذا احترقت البضاعة أو سرقت سأتعرض للسجن سنوات طويلة وسين وجيم، ثم إن راتبها ضعيف وخطرة ومرهقة ولا تناسب شخصيتي الهادئة، أنا أريد وظيفة سهلة وخالية من المسؤولية.

نفخ الصديق نفخة ضجر ثم طالع الصفحات من جديد: طيب، اسمع، أعتقد أنك سترتاح لهذه الوظيفة، مطلوب رجل أمن «سيكيروتي» لمؤسسة حكومية، شريطة أن يكون أربعينياً، غير طموح، مسالماً، صاحب شخصية هادئة، براتب مغرٍ جداً وتأمين صحي وضمان اجتماعي، ما رأيك؟ الرجل الأربعيني: أتعتبر هذه وظيفة تناسبني؟ أولاً أمن المؤسسات مسؤولية كبيرة، قد يدخل المؤسسة مجرم خطر أو شخص يحمل حزاماً ناسفاً، هنا سأكون أمام خيارين، إما أن أموت أو يموت رواد المؤسسة، لا سمح الله، عندها سأدخل السجن وأتعرض لسين وجيم، ثم إن الحراسة لا تناسب شخصيتي الهادئة، أنا أريد وظيفة سهلة وخالية من المسؤولية.

أغلق الصديق الجريدة: ثم قال بنفس مرتاح وبال طويل: وجدتها، إنها على مقاسك تماماً، قال الرجل الأربعيني بالروح المهزومة نفسها: ما هي؟

الصديق: ألا تريد وظيفة سهلة، وخالية من المسؤولية وتناسب شخصيتك الهادئة، وذات راتب مرتفع ووضع اجتماعي ممتاز؟

الأربعيني: طبعاً.

الصديق: أفضل وظيفة تناسبك هي «أمين عام للأمم المتحدة»، فمهمته الوحيدة: «أن يعرب عن قلقه إزاء ما يجري في الدول»، ولا يتحمل بعدها أدنى مسؤولية أو مساءلة.. ما رأيك؟

الأربعيني: موافق.

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر