مزاح.. ورماح

ثلج ونزيف!

أحمد حسن الزعبي

إذا شعر للحظة أن الأنظار تتجه إلى آخر، أو أن الأسرة تندمج في الحديث أو مشاهدة التلفاز ولا تعيره أي اهتمام، فبفطرته يقوم «الصغير» باستخدام وسائل للفت النظر وتوجيه بوصلة الاهتمام به من جديد، فمثلاً يتظاهر بأنه «يسعُل» وهو ينظر في عيون المنشغلين، وإذا لم ينجح صوته الصغير في اقتحام مسامع الحضور، يرفع «دوز» السعال ويصحبه بـ«شردقة أو شرقان» ليعود محور الجلسة، ولأنه يتمتع بذكاء فطري فإنه لا يستخدم وسيلة لفت النظر مرتين، فثمة وسائل أخرى بجعبته كالوقوف أمام الشاشة والرقص «المفتعل»، وأحياناً إسقاط كوب من الزجاج على الأرض والاستمتاع بمنظر الزجاج المتناثر.

الغريب أنهم مهما بالغوا في إزعاجنا واستجدوا اهتمامنا نظل نقبّلهم ونحبّهم، لكن أن يقوم الكبار بممارسة السلوك نفسه فحتماً ستكون صورهم «مفضوحة»، والتذكير بأنفسهم مدعاة لازدرائهم والحقد عليهم أكثر. ما أقصده بهذا الحديث، جورج بوش الابن الذي شعر بأن الأنظار تتجه إلى غيره، وأنه صار «نسياً منسياً» بالنسبة لمواطنيه، وأن الأسرة الأميركية مندمجة في مشاهدة زعيمها الشاب ومتابعة خطاباته، ولا تعير بوش أي اهتمام، فيقوم بوش «الصغير» باستخدام وسائل للفت النظر علّه يسترق بوصلة الاهتمام ولو لمدة (48) ثانية.

فبعد أن ظهر قبل شهور بمظهر الفنان التشكيلي، وبدأ يرسم بيده وجوه زعماء وقادة سياسيين أثروا به في فترته الرئاسية، ونشرت عنه بعض التقارير الإخبارية في الزوايا المنوّعة وهو يمسك فرشاته ويقف أمام خطوط الوجه الأولى، عاد قبل أيام ونشر لنفسه مقطعاً قصيراً لا تتجاوز مدته 48 ثانية على موقع «يوتيوب» يظهره وهو يشارك في تحدي دلو الثلج، حيث دلقت زوجته لورا دلواً مملوءاً بالثلج على رأسه أمام الكاميرا فـ«وحوح» قليلاً، ثم طلب من زميله كلينتون أن يخوض التجربة كما فعل. أنا متأكد أنه لن يكون الظهور الأخير، ولا أستبعد أن يخرج عارياً في أحد الفيديوهات أو بمشهد مزرٍ فقط ليذكّر الأميركيين: أنا «رئيسكم» يا جماعة اذكروني!

في ثقافتنا العربية يستخدم تعبير: «سكب الماء البارد على الظهر أو أسفله قليلاً» للتعبير عن «التطنيش أو الطرد المهين أو التفنيش من غير احترام»، فيقال إن فلاناً «قد صبّت المؤسسة على ظهره ماءً بارداً»، يعني أنها فصلته من العمل بسرعة ولم تكترث لخروجه. وأعتقد أن «جورج بوش» بهذا الفيديو يثبت ــ ولو عربياً ــ أن الشعب الأميركي قد صبّ على «....» ماءً بارداً لسوء إدارته ورعونة قيادته.

***

شخصياً، وأنا أتابع الثواني الـ«48»، لم أرَ دلواً أبيض بثلج أبيض يُسكب على رأس سيد البيت الأبيض الأسبق، بل رأيته دلواً بلون الأوجاع، يمور بدم أحمر، يُسكب على تاريخ الإجرام العالمي.

إذا كان بوش الابن يعتبر أن ملايين الأطفال في أفغانستان والعراق، الذين ماتوا أثناء الحصار وتحت القصف، مجرّد أرقام عابرة.. نحن نعتبرهم قضايا وملفات لا تُغلق بانتهاء الولاية.

إذا كانت «لورا» بوش تسعى لتذكير العالم بزوجها من خلال دلو أبيض مملوء بالثلج الأبيض ليسكب على رأس سيد البيت الأبيض السابق، فنحن نذكّرها بأن «حليب الأطفال» المحاصرين أبيض أيضاً، وقلم رصاص الطفل المهجّر «أبيض» أيضاً، كما أن «الفسفور» أبيض.

أما الدم العربي فلونه كالجحيم «أحمر متّقد» لا يُطفأ ولا يهدأ ولا يتخثّر بالثلج أبداً.

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر